د. جمال سند السويدي
د. جمال سند السويدي
كاتب وأكاديمي ومفكر إماراتي

الجندي المجهول عبد الله بن زايد.. حينما تتحدث الإنجازات

آراء

عندما يصل عدد الدول التي يمكن لمواطني دولة الإمارات العربية المتحدة دخولها من دون تأشيرة إلى 152 دولة حتى تاريخ كتابة هذا المقال، وهو رقم مرشح للزيادة بالتأكيد خلال الفترة القادمة، وعندما يحل جواز السفر الإماراتي في المركز الأول عربياً وشرق أوسطياً من حيث قوته، وفي المركز الرابع عشر عالمياً، وعندما تتعزز الشراكات الاستراتيجية للدولة مع دول العالم المختلفة في الشرق والغرب، وعندما يشعر المواطن الإماراتي في أي مكان من العالم وكأنه داخل وطنه؛ بفضل الرعاية التي يتلقاها من السفارات في الخارج، فلابد أن تكون وراء ذلك كله منظومة عمل دبلوماسي نشطة، وتتمتع بالكفاءة والاحترافية والفهم الدقيق لطبيعة أهدافها والأدوار التي عليها أن تقوم بها على المستويات المختلفة، يقودها ويضع خطط عملها وزير يعمل بتفانٍ وإخلاص، ويحقق الإنجازات الكبرى في صمت ومن دون ضجيج أو دعاية هو سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، ذلك الوجه المشرق للسياسة الخارجية الإماراتية، الذي يقود الكتيبة الدبلوماسية الوطنية نحو النجاحات التي لا تتوقف، ويدافع بوعي وفهم وإخلاص عن مصالح دولة الإمارات العربية المتحدة وحضورها المؤثر على المستويات الإقليمية والدولية، ويجسد نهضتها وقيمها ومبادئها الراسخة التي وضع أسسها المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وتسير عليها وتضيف إليها قيادتنا الرشيدة برئاسة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله؛ ما جعل دولة الإمارات العربية المتحدة رقماً مهماً في معادلة العلاقات الإقليمية والدولية.

إن الإنجازات الكبيرة، التي تحققت وتتحقق للدبلوماسية الإماراتية، بقيادة سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، لا تأتي من فراغ، وإنما من رؤية وفلسفة ونهج لسموه في العمل الدبلوماسي يتسم بالكثير من السمات التي تمثل في مجملها وصفة مضمونة للنجاح والتميز، والسمة الأولى هي أن سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان هو ابن بارٌّ من أبناء مدرسة الشيخ زايد، رحمه الله، في جعل الإنسان الإماراتي في قلب اهتمام القيادة، سواء داخل الوطن أو خارجه، وهي المدرسة التي يجسدها ويسير عليها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وأخوه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، وإخوانهما حكام الإمارات. ومن هنا، ومن وحي هذه المدرسة الملهمة، وتنفيذاً لفلسفة القيادة الحكيمة، يجعل سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان سعادة المواطن الإماراتي وراحته على قمة أولوياته وأولويات المنظومة الدبلوماسية الإماراتية برمتها، سواء من خلال فتح حدود دول العالم في الشرق والغرب أمامه للعمل والسياحة والعلاج والتعليم وغيرها، من دون تأشيرة سفر مسبقة، أو بتوفير الرعاية الكاملة له خارج الوطن، وتسخير كل إمكانيات البعثات الدبلوماسية من أجل هذا الهدف، أو بالتحرك السريع للتعامل مع أي مشكلة تحدث لأي مواطن إماراتي في أي مكان بالعالم، وتذليل كل العقبات أمامه. ولعل من الأمور ذات الدلالة المهمة فيما يتعلق بموقع المواطن ورعايته وسعادته في فلسفة عمل وزارة الخارجية والتعاون الدولي أن استراتيجية الوزارة 2017-2021، التي تم إطلاقها في فبراير 2017، تجعل الهدف الأول لها «تقديم خدمات متميزة إلى المواطنين»، وتؤكد السعي إلى جعل جواز السفر الإماراتي من أقوى خمسة جوازات سفر في العالم بحلول عام 2021. والثانية الإدراك العميق لدور الدبلوماسية في خدمة التنمية في الداخل. ومن هنا يعمل سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان بقوة على تعزيز العلاقات والروابط الاقتصادية والتجارية والتنموية بين دولة الإمارات العربية المتحدة ودول العالم المختلفة، والترويج للفرص الاستثمارية الواعدة داخل الدولة، والدفاع عن المشروعات والمصالح والاستثمارات الإماراتية في الخارج، وتوفير كل أوجه الحماية والدعم لها؛ ما يجعل الدبلوماسية الإماراتية شريكاً أساسياً في مسيرة النهضة الشاملة التي يعيشها الوطن. ولا شك في أن هذا الدور، الذي تقوم به الدبلوماسية الإماراتية بقيادة سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان في تعزيز الروابط الاقتصادية مع العالم، يعكس وعياً بأهمية هذه الروابط في خدمة الفلسفة التنموية الإماراتية القائمة على التنوع الاقتصادي وتعدُّد مصادر الدخل استعداداً لمرحلة ما بعد النفط. والثالثة الحرص على تعزيز علاقات الدولة الخارجية، ليس على المستوى السياسي الرسمي فقط، وإنما توسيع التحرك ليشمل الجوانب الثقافية والاجتماعية والإعلامية والفكرية وغيرها؛ لذلك نجد سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان لا يكتفي، خلال زياراته الخارجية، باللقاءات السياسية التقليدية، ولكنه يتحرك تجاه رجال الأعمال والمستثمرين ومراكز الدراسات والبحوث والبرلمانات وغيرها، ويخاطب الرأي العام العالمي بشكل مباشر من خلال كتابة المقالات التي تعبر عن وجهة النظر الإماراتية تجاه القضايا المختلفة، في الصحف الأجنبية والعربية، وهذا عزز صورة الدولة لدى الرأي العام في العالم، وأضاف إلى قوتها الناعمة بشكل كبير، وأبرز مواقفها المتوازنة ومبادراتها الحضارية وإنجازاتها التنموية على الساحة الدولية. والرابعة الحركة المستمرة من دون توقف؛ حيث يؤمن سموه بأن الدبلوماسية الفاعلة هي الدبلوماسية المبادرة والمتحركة التي تلتقط الفرص وتتحرك تجاهها بثقة في النفس والقدرات، وتراكِم العلاقات والمصالح، وتدرك أن البيئة الدولية متغيرة باستمرار، وتتغير معها المواقف والعلاقات والتوجهات والتحالفات؛ ما يحتاج إلى يقظة تامة وانتباه كامل لمسار التطورات والأحداث. ولعل النموذج المثالي الذي يعبر عما يميز سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان من قدرة فائقة على الحركة الفاعلة والمستمرة في اتجاهات مختلفة، ما حدث في معركة استضافة مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «أيرينا» عام 2009، حيث أتذكر أن سموه طاف عدداً كبيراً من الدول في جولات مكوكية لإقناع الدول المختلفة بتأييد استضافة دولة الإمارات العربية المتحدة مقر الوكالة؛ وهو ما تحقق في النهاية، وفازت الدولة باستضافة المقر على الرغم من قوة منافسيها. وفضلاً عن ذلك فقد لعب سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان دوراً كبيراً في معركة استضافة دولة الإمارات العربية المتحدة معرض إكسبو 2020، من خلال الحركة الدبلوماسية النشطة، واستثمار العلاقات التي بناها سموه على مدى سنوات طويلة مع المسؤولين في دول العالم المختلفة؛ ما أدى في النهاية إلى الفوز في السباق على الرغم من قوة المنافسين وتاريخهم الدبلوماسي الطويل. والخامسة أن سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان قد أدرك، منذ توليه مهام منصبه وزيراً للخارجية في عام 2006، أن تحقيق الأهداف الطموحة للسياسة الخارجية، ومواكبة هذه السياسة للنهضة الشاملة التي تشهدها الدولة، يتطلبان فريق عمل متميزاً وكفؤاً، وهذا ما عمل عليه من خلال إعادة هيكلة الوزارة، ووضع استراتيجيات عمل واضحة وطموحة لها، وإعطاء أهمية كبيرة لبناء كوادر دبلوماسية وطنية مدربة ومؤهلة وذات كفاءة عالية ولديها القدرة الكبيرة على الحركة والتواصل والفهم لمجريات الأحداث على الساحتين الإقليمية والدولية.

منذ أن كان طالباً للعلوم السياسية في جامعة الإمارات العربية المتحدة لمست في سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان النبوغ والتميز، وتوقعت له مستقبلاً باهراً في خدمة دولة الإمارات العربية المتحدة؛ لذلك فقد كنت واثقاً بالنجاح الكبير الذي حققه، سواء حينما كان وزيراً للثقافة والإعلام، أو حينما غدا وزيراً للخارجية والتعاون الدولي. ومن خلال الإنجازات الكبيرة التي حققها، وشبكة العلاقات العالمية الكبيرة والمتشعبة التي أقامها، والنهج الدبلوماسي المتميز الذي يتحرك من خلاله، فإن سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان يمثل مدرسة دبلوماسية متميزة، ليس على المستوى العربي أو الإقليمي فحسب، وإنما على المستوى العالمي أيضاً.

المصدر: الاتحاد