عبدالله القمزي
عبدالله القمزي
كاتب إماراتي

الدراما الخليجية.. في إجازة

آراء

عند صنّاع الأعمال الفنية الأجنبية إذا قيل إن عملاً أو شخصاً ما في إجازة فذلك يعني أنه فشل. عنوان المقال نريد منه ازدواجية في المعنى، وفي الوقت نفسه نريد إجازة منها. الدراما الخليجية، كما قال ممثل معروف في مقابلة تلفزيونية: تعاني إفلاساً شديداً.

الإفلاس لم يبدأ اليوم، لكنه موجود منذ 20 عاماً وكل ما شاهدناه، عبر السنوات الماضية، كان محاولات للترقيع وتجديد الشكل دون ملامسة المضمون، لماذا؟ لأن ذلك أسهل.

فمثلاً تغيّر شكل الممثلين والممثلات عبر السنوات، فأصبحنا نرى ممثلة ما بـ«براطم منفوخة»، أي بشفتين ممتلئتين بـ«الفيلر» تكاد تغطي نصف وجهها وبرموش اصطناعية ومكياج كامل، حتى في مشاهد الاستيقاظ من النوم! عندما شاهدت تلك الظاهرة للمرة الأولى أصبت بالرعب الشديد، لأنها أعادت إلى ذهني شكل ذلك المخلوق المخيف في فيلم إنسيدياس، أو Valak من فيلم «ذا كونجورينغ 2»، والحقيقة أن سينما الرعب في هوليوود ستستفيد كثيراً من هؤلاء!

أو كان تغيير الشكل عبر إضافة الكثير من الفنيات، مثل أن نرى المخرج يركز على نافورة في مشهد حواري لا نرى فيه الممثلين، وذلك معناه أنه يريد أن يجنّبنا الأداء السيئ، أو أنه يشتتنا لعدم اقتناعه شخصياً بالعمل الذي يقدمه.

على صنّاع الدراما الخليجية أخذ إجازة تراوح بين ثلاث وخمس سنوات ليراجعوا أنفسهم، وعقد جلسات عصف ذهني في مكان بعيد منعزل، كما يفعل الفنانون كلما احتاجوا إلى إلهام، خذوا راحتكم فلن يشتاق أحد لتلك المسلسلات المكررة لو غابت عن الشاشات، لأننا حفظناها عن ظهر قلب.

على صنّاع الدراما الخليجية إعداد قائمة بكل مشاهد وعبارات الكليشيه (يرجى الرجوع إلى سلسلة مقالاتي عن الدراما الخليجية لمعرفة تلك العبارات)، ووضع عنوان «ما يجب أن تتجنّبه في أي مسلسل خليجي» على تلك القائمة، وتوزيعها على كل المخرجين وكتّاب السيناريو.

نريد من صنّاع الدراما الخليجية أخذ الموضوع بجدية أكثر وعدم السماح لثقافة «شغل أي كلام» بالتسرب إلى أعمالهم. يرجى كذلك مشاهدة المسلسلات الأجنبية إن أردتم أداءً جميلاً وواقعياً، وستجدون فيها الكثير من الأمثلة الجيدة لتجديد الإغماءة الكلاسيكية (اقتراح: راقبوا إغماءة الممثل جون هام في مسلسل «ماد من» كيف كانت متقنة)، والأهم من ذلك كونوا على علم أن الإغماءة لا تحدث بتلك السهولة التي تتخيلونها، بل يجب إيجاد أسباب ودوافع قوية لها.

عودوا للواقع، واصنعوا عملاً يثقف النشء من الأخطار والتحديات المحيقة بهم، افتحوا الصحف فهناك كثير من القضايا التي تستحق النقاش، اقتربوا من الجمهور واسألوا عن همومهم. غيّروا أسلوب الطرح، وضعوا في اعتباركم أن الجمهور ذكي وليس بحاجة إلى محاضرات.

عودوا إلى كتب التاريخ أو التراث واصنعوا عملاً مشرّفاً تفخر به الأجيال، حتى لو استغرق ذلك عقداً كاملاً، فالمهم هو النتيجة وتأثير ذلك العمل في الجمهور، وتثقيفه بصورة إيجابية تسهم في خدمة المجتمع ورفعة الوطن.

آخر الكلام: «أصبحنا نصدّق المسلسلات الأجنبية مهما كانت منغمسة في الخيال، ونضحك على الدراما الخليجية التي تبدو واقعية، والسبب أن الأولى مصنوعة بإتقان شديد، والثانية مصنوعة بإهمال شديد».

المصدر: الإمارات اليوم