الرياض.. عاصمة التحولات والسيادة

آراء

العالم كله منشغل بالموقف السعودي الجريء والنوعي الذي جاء ردا على التدخلات الكندية السافرة في الشأن السعودي. وتكاد تدور مختلف التحليلات الإعلامية حول كون الموقف السعودي جاء صادما ومخالفا لأقصى التوقعات، وأنه يمثل رسالة سعودية للعالم بشأن الملف الأكثر عرضة للانتقاد وهو ملف حقوق الإنسان، لكن العامل المشترك بين كل تلك التعليقات مستوى الصدمة الكبير وغياب أي قراءة جديدة مقنعة.

يحدث كل ذلك لأن العالم كله اعتاد أن منطقتنا سيئة الصيت في العالم اعتادت على شخصية التلميذ البليد الذي يتلقى التأنيب والتقريع يوميا من منظمات وهيئات حقوق الإنسان في العالم بينما يكتفي بالصمت والتبرير أحيانا.

لم يحدث أن كان ملف حقوق الإنسان ملفا نزيها وصادقا، لقد تحول إلى وسيلة من وسائل الضغط والتوظيف السياسي، وتشكلت عبر مختلف البلدان الأوروبية جماعات ومنظمات ترضخ لسيطرة الجهات الممولة وتلعب وظيفة رئيسية تتمثل في اللعب بالورقة الحقوقية.

العامل الآخر في فساد تلك المنظمات ما يمكن وصفه بالفساد المعرفي والثقافي؛ إنها منظمات تقليدية في الغالب ولا تتطور كثيرا ولديها حزمة من العناوين المطلقة الجاهزة التي تظل ترفعها دون أدنى استيعاب للمتغيرات أو الأبعاد الثقافية والاجتماعية والسياسية في أي مجتمع، وبالمال وبالأنشطة المشبوهة تستطيع تلك المنظمات أن تمثل عامل ضغط على الحكومات وتؤثر في قراراتها وتوجهاتها.

هل من المبالغة القول إن ذهنية تقليدية ماكرة لا تزال هي المؤثر الأبرز في موقف كثير من البلدان الأوروبية في ملف حقوق الإنسان، إذ تفتقد تلك الذهنية للتفكير الكلي الواعي المرتبط بالتحولات والظروف الثقافية لكل مجتمع، وتظل تركز على القضية الواحدة والعنوان الواحد وتسعى لخلق رموز ورقية من خلال منحها الجوائز وإقامة الندوات والفعاليات باسمها.

بينما يراقب العالم اليوم كل ما يحدث في السعودية بصفته أبرز وأضخم تحول إيجابي تشهده دولة محورية في المنطقة منذ عقود، يدرك العالم أن كل التحولات التي نعيشها اليوم تحولات قادمة من الداخل وبإرادة داخلية واعية تنطلق من قوة حقيقية وتمثل رحلة جديدة في مسيرة المملكة بصفتها أبرز وأهم دول المنطقة وأكثرها محورية في حماية ودعم نموذج الدولة الوطنية وبخاصة بعد الأحداث الكبرى التي شهدتها المنطقة منذ العام ٢٠١١، وما قامت به المملكة من مواقف وما اتخذته من إجراءات أعادت بهما صياغة خرائط التوازنات السياسية في المنطقة بل وفي العالم.

انتهت أزمنة الوصاية الحضارية التي ظلت عنوانا لاستعمار ثقافي وسياسي طالما أذعنت له بلدان في المنطقة، ولأن التحولات السعودية حقيقية وواعية فما يحدث اليوم من مواقف في مجابهة تلك التدخلات هي مواقف حقيقية وضرورية وترسيخ حقيقي لمفهوم السيادة ببعده الحضاري قبل السياسي. وسنرى انعكاسات واسعة لهذا الموقف في سلوك مختلف دول المنطقة التي طالما مثل ملف حقوق الإنسان ورقة ضغط عليها في يد الدول والمنظمات.

نعلن اليوم موقفاً واضحاً للعالم؛ كل ما يحدث في المملكة ليس بضغط من أحد، وكل ما لم يحدث ليس من شأن أحد، وإدارتنا لملفاتنا الداخلية نابعة من واقعنا ورؤيتنا نحن. وبخاصة أمام المواقف والتعليقات التي تفتقد لأدنى درجات اللباقة والوعي السياسي.

المصدر: عكاظ