السعادة أمر خطير

آراء

طلب السعادة، صعود، نحو المرتفعات الشاهقة، ولكي تحقق صعودك، لا بد وأن تواجه المخاطر. في داخل أي إنسان هناك كائن مخاتل، يصعب مجادلته، ومن العسير محاورته، لأنه يملك من القدرات الفائقة، ما يجعلك تقاوم وحشاً كاسراً. هذا الكائن هو العقل، بما يتسلح به من رواسب، وموروث اجتماعي هائل.

السعادة تنبت من الفطرة، والتعاسة تنبت من العقل، ولكي تخرج من فوهة البركان عليك أن تتحرر من الأنا، والتي هي بناء عقلي بحت، جاء من سراديب المفاهيم الموروثة، والتي تبني هضابها العالية لكي لا يتجرأ الإنسان من الاقتراب من قلاعها الحصينة. ما الحل إذاً؟

يقول الفلاسفة إن الجوهر يسبق الوجود، وهذا ما بَنى عليه داروين نظريته باعتبار أن الإنسان كائن حيواني، وهي النظرية التي تغالط، الفكرة الوجودية. فعندما نقول إن الإنسان كائن حيواني، فبذلك نحن نجرد الإنسان من حريته، وهي المطلق الذي يتفرد به الإنسان عن سائر الكائنات الأخرى. فالحيوان والطير وسائر المخلوقات جوهرها يسبق وجودها، كونها كائنات، مبرمجة ضمن حركة نشوئية لا مجال فيها لحرية الاختيار، بينما الإنسان فوجوده سابق لجوهره لأنه كائن يمتلك حرية اختيار وجوده. الأمر الذي يجعله حراً في اختيار السعادة أو التعاسة. لذلك عندما نقول إن السعادة أمر خطير لأنها تحتاج إلى الإرادة، وتحتاج إلى قدرة الإنسان على الخروج، من كهف التعاسة إلى فضاء السعادة. ويسبق ذلك الوعي، والإدراك، والسعي إلى التدرج من العزلة إلى الانفتاح. القبول بالأمر الواقع انغلاق يؤدي إلى التعاسة، واختيار الحرية انفتاح وسعادة والقول ليس بالإمكان أفضل مما كان، حيلة عقلية مخاتلة لإبقاء الفرد قيد الشروط الضيقة لكي يخلص الإنسان نفسه من عقدة الذنب، والقبول بأقل الطموحات.

الوعي بالذات هو مفتاح الحل للصعود على السلم من دون مشقة، أو جروح عندما تعي ذاتك، فإنك تعرف ما تريد، وعندما تعرف ما تريد تستطيع أن تحقق أهدافك وتصل إليها وتحقيق الأهداف بداية السعادة وليس نهايتها، لأنه لا نهاية للسعادة إلا التعاسة.

نحن نسعى إلى السعادة، لنحقق وجودنا، لأن الوجود البشري مرتبط بالسعادة إن تحققت فكان هناك وجود، وجوهر الإنسان ما هو إلا تابع لوجوده، على خلاف الحيوان، لأن الوجود البشري مرتبط بقدرة الإنسان على الانتقال من حالة إلى أخرى. وهذه هي الحرية التي يتميز بها الإنسان.

المصدر: الاتحاد