الشباب عُدَّة الحاضر وصنَّاعُ المستقبل

آراء

الأمة الحيَّة هي التي تهتم بشبابها وشاباتها، وتعدُّهم لحاضر أمرها ومستقبلها، هي التي تستثمر خيراتها في تكوين قدراتها الذاتية وتصنع نفسها بنفسها كما قالوا:

نفس عصام سودت عصاما وعلَّمته الكرَّ والإقداما

وصيرته بطلاً هُماما وألحقته السادة الكراما

أو كما قال الآخر:

نحن وإن كرمت أوائلُنا لسنا على الأحساب نتكلُ

نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل مثلما فعلوا

وإن ذلك التسويد والبناء لا يأتي إلا من الجيل الصاعد القادر على الفهم والتحمل والابتكار، الجيل الذي يعيش في طفرة عمره توقداً وذكاءً، الذي لديه من المقومات الذاتية ما تجعله يسابق الآخرين ويفوز عليهم، إنه جيل الشباب الذي يعيش في الفترة العمرية الذهبية، والتي هي سر الحياة وصفوتها، فإنما الحياة الشباب، نعم هي حياة العلم، وحياة النبوغ، وحياة العمل، وحياة الإبداع، فما ينبل الرجال إلا في مراحلهم الأولى، وكما قال نفطويه:

أرانيَ أنسى ما تعلمتُ في الكِبر … ولست بناسٍ ما تعلمت في الصغر

وما العلم إلا بالتعلم في الصِّبا … وما الحلم إلا بالتحلم في الكِبر

ولو فلق القلب المعلَّم في الصبا … لأُلفِيَ فيه العلم كالنقش في الحجر

وما العلم بعد الشيب إلا تعسفٌ … إذا كلَّ قلبُ المرء والسمع والبصر

فالأمة التي تعنى بشبابها تعليماً، وتنمية لمهاراتهم، وتأهيلاً لهم، وإنفاقاً سخياً من أجلهم، هي التي تريد الحياة، وهي التي تعشق التقدم، وهي التي تعرف واجباتها نحو حاضرها ومستقبلها، وهذا ما صرح به صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، حفظه الله، أول من أمس، حين قال: «مسؤوليتنا في إعداد أجيالنا لزمان غير زماننا، وطموحاتُنا بأن يكون لدينا علماء يسهمون في تقدم البشرية».

وإعداد الأجيال هو الإعداد المعرفي المتطور المواكب للعصر، الإعداد المعرفي الثقافي والأدبي، والمعرفي العسكري، والمعرفي الطبي، والمعرفي التكنولوجي، والمعرفي الجغرافي.. كل ذلك مما يحتاجه الجيل الذي يتعطش إلى هذه المعارف، فليس هناك شابٌ إلا ولديه طموح لهذه المعارف، فلو وجد من يأخذ بيده ليوصله إليها لأخذ بنواصيها وأصبح كغيره من شباب العالم المتقدم الذي سبق إلى كثير من هذه المعارف، فأنتج حضارة راقية، وحضارة متسارعة لا تتوقف لحظة، ونحن الأمة العربية والإسلامية كان لنا قصب السبق في كثير من حضارة اليوم كما يفصح بذلك منصفو الغرب والشرق، وقد كنا في الأمس في لقاء الحوار الثاني بين حكماء المسلمين وكثير من المستشرقين في مبنى بلدية باريس العريق، وكان منهم الإشادة الكبيرة بالمعارف الإسلامية التي استقى منها الغرب حضارته الحاضرة.

فما الذي جعل هذه الحضارة تأفل في شرقنا وتشرق في غربهم؛ إنه الإهمال الذي أصيب به مشرقنا العربي والإسلامي، الإهمال من قادتهم وخلفائهم، فأنتج شعوباً متكِّلة متقاعسة عن العلوم والمعارف، واليوم قادة النهضة والتطور يقولون «يجب تشجيع مدارسنا وجامعاتنا على تزويد شبابنا بأهم المهارات في منهجية البحث والاكتشاف»، ورواد هذه المدارس والجامعات هم شباب الأمة ورجال المستقبل، فإذا قامت المدارس والمعاهد والجامعات ومراكز البحث بواجبها نحو هذه الشبيبة فغرست في أذهانها وأفئدتها العلوم والمعارف النافعة للحاضر والمستقبل لتغير حالنا، ونافسنا الأمم المعاصرة، بل لعلنا نسبقها؛ لأننا سنبدأ من حيث انتهى بحثهم واستكشافهم، والأهم من ذلك أن نعيد للأمة الإسلامية حضارتها السليبة، ونعلم الأمم أننا أمة مشروع حضاري وليس تدميرياً، وأمة محبة وسلام، ولسنا أمة حروب وخصام، وأننا ننشر النفع ولا نصدر الخراب، وستعود سفن الشرق تحمل الفتح المعرفي لا اللجوء السياسي أو الفرار بالذات من الفناء، وليس كل ذلك ببعيد إذا قامت الأمم بواجبها نحو شبابها تعليماً وتطبيقاً.

المصدر: الإمارات اليوم