الشتيمة ليست حرية رأي!

آراء

الاتجاه نحو سن عقوبات ضد من يستغل قنوات التواصل الاجتماعي للشتيمة والقذف والإساءة للآخرين خطوة تستحق في رأيي التقدير والدعم. لدينا بعض ممن يغالط نفسه وهو يشتم مخالفيه باسم حرية التعبير. ونصادف يومياً من يتبرقع بالاسم المستعار ثم يكيل التهم الظالمة والشتائم و«قلة الأدب» ضد أصحاب الرأي المختلف وكل ذلك تحت مظلة «حرية التعبير». في كل بلاد الدنيا المتحضرة وعريقة التاريخ الديمقراطي والإعلامي توجد أنظمة وقوانين تحدد ما يندرج ضمن «حرية التعبير» وما يتجاوزها إلى القذف والشتيمة.

صحيح أن من واجبنا أن نحذر من استغلال حماية الناس من ممارسي الشتيمة والقذف على مواقع التواصل الاجتماعي لقمع الآراء أو التضييق على الرأي الناقد المتزن. لكن –في المقابل– نحن فعلاً مطالبون بحماية المجتمع من أكاذيب وشتائم قلة وجدت ضالتها في تلك المواقع لاختلاق القصص الكاذبة والترويج للشائعات والشتائم.

قنوات التواصل الاجتماعي تشكل في الأساس منابر مهمة للحوارات الثرية وللتأسيس لجو من الحوار المؤدب حول القضايا والأفكار من دون شتائم وأكاذيب. هي مهمة لتعويد المجتمع على التصالح مع الرأي المختلف لا للدفع بالمجتمع نحو مزيد من الفتن والانقسامات. لا توجد حرية مطلقة. ولا يمكن أن تقوم حضارة من دون قوانين وضوابط. ولا يمكن أن تشتم الناس وتروج الأكاذيب ضدها ثم حينما تُسأل عن أقوالك تبررها بحرية التعبير.

هل من الحرية –مثلاً– أن تقطع إشارة المرور في أوروبا أو أمريكا ثم حينما تتعرض للمساءلة تبرر بأن ما فعلته يندرج ضمن «الديمقراطية»؟ لا يمكنك أن تسب غيرك وحينما تُساءل تجيب بأنها حرية رأي.

الحق أننا بأمس الحاجة للتأسيس لمشروع ثقافي حضاري نفهم عبره أصول الحوار وشروطه وحدوده. أما محاصرة «قلة الأدب» بالقوانين والعقوبات فهي خطوة مهمة في طريق طويلة ووعرة!

نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٣٠١) صفحة (٢٨) بتاريخ (٣٠-٠٩-٢٠١٢)