الشراكة مع العالم

آراء

إن أكثر ما يجيده العرب في العصر الحديث فقْد الأصدقاء. بدأت علاقة العرب بالهند مع بداية حملات الاستقلال العالمية. في ذلك الزمن، ظهرت مسألة الاستقطاب أثناء الصراع الأيديولوجي بين المعسكر الشيوعي، الذي يقوده الاتحاد السوفييتي، والمعسكر الرأسمالي الذي تقوده الولايات المتحدة. ظهرت كتلة سياسية جديدة تحت اسم عدم الانحياز. التحق بها معظم الدول العربية ومن بينها المملكة.

كانت الهند منذ استقلالها حليفا للدول العربية ومن أكثر الدول الداعمة للقضايا العربية الأساسية. ولأن كثيرا من الدول العربية لم يستطع أن يتحرك مع حركة الزمن، وجدت الهند نفسها مضطرة إلى أن تسير وفقا لمصالحها الخاصة من دون اعتبار لحلفاء عاجزين وغير قادرين حتى على حماية مصالحهم. انفضت الشراكة العربية – الهندية، فانتهزت إسرائيل – على سبيل المثال – الفرصة، وراحت تبني علاقة مع ثاني أكبر دول العالم سكانا، ومن أكثر الدول حظا في بناء مستقبل البشرية.

في الماضي أثناء صراع التحرر من الاستعمار، أدت العواطف دورا كبيرا في بناء العلاقات بين الدول، لم تعزز تلك العلاقات بالمصالح، فضعفت حتى كادت تتلاشى.

زيارة ولي العهد الكبرى لدول آسيا في هذا الوقت الذي تعود فيه الاستقطابات إلى الظهور (روسيا والصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة)، تعد نقلة نوعية في بناء العلاقات بين الدول العربية والعالم، بما تمثله المملكة اليوم من ثقل كبير في المنطقة يمكن أن يؤدي دورا بارزا في بناء طيف من التحالفات الإيجابية شبيه بالتحالف العالمي الذي يعرف بحركة عدم الانحياز.

المملكة دولة كبرى على أصعدة مختلفة، ولها تأثير كبير في سياسات العالم، وتمثل المركز لدول المنطقة، تستطيع بناء تحالف جديد على أسس عملية متجاوزة الأسس العاطفية التي قامت عليها العلاقات في حقبة التحرر من الاستعمار.

الملاحظ اليوم أن حربا باردة تتنامى بين روسيا والولايات المتحدة، ولكنها لن تكون شبيهة بالحرب البادرة السابقة بين الاتحاد السوفييتي والغرب، التي قامت على أسس أيديولوجية. الحروب اليوم كما نرى بين الولايات المتحدة والصين ترتكز على البعد الاقتصادي، وهذا ما أدركه ولي العهد وكان في صلب زياراته. فالعلاقة مع الدول كالهند ستقوم على صداقة قديمة، ولكنها أيضا ستكون مبنية على مصالح اقتصادية مشتركة. فالدولتان السعودية والهند تؤسسان في الداخل لمستقبل اقتصادي يكون مؤثرا في الاقتصاد العالمي، ولكن لن ينجح أي اقتصاد محلي من دون تحالفات دولية.

الأمير محمد بن سلمان يؤسس لاقتصاد سعودي قوي مدعوم بشراكة عالمية خارج المنظومة الغربية وموازيا لها. فالأمير لم يعد ينظر للغرب بوصفه المركز بقدر ما ينظر إليه بوصفه شريكا ضمن شركاء آخرين. بناء شراكة عالمية في أماكن مختلفة من العالم هو الضامن الأمثل للسلام والأمن العالميين. وفق الله قائد المستقبل.

المصدر: الرياض