الصراعات أخفت دولاً بكاملها

آراء

ما بين الموت والحياة خيط رفيع فإما تدمر أو تعمر، وما الكراهية إلا وحش أعمى، يقود إلى سفك الدماء وهتك الأعراض، والاعتداء على السيادة. في هذا اليوم، صرنا نتذكر فقط، كانت على الخريطة دولة اسمها الصومال وأخرى ليبيا، وفي الطريق بلدان بدأت تتلاشى وتذوب مثل فصوص الملح، فعندما لا يحضر العقل ويغيب الوعي، يصبح الموت وسيلة للتعبير عن الإسقاط الداخلي على الخارجي، فما معنى أن يقدم كائن شبه بشري على تفجير نفسه من أجل قتل أبرياء، أطفال ونساء وشيوخ، وما معنى أن يرفع أحد مصاصي الدماء سيفه عالياً ليهوي به على عنق إنسان لم يرتكب ذنباً سوى أنه ولد في أرض ما توافر فيها الحقد بكثافة. ما معنى كل هذا النزيف العاطفي، ما معنى كل هذا النزوح باتجاه مناطق الكراهية، إنه العبث الوجودي، والعدم الأخلاقي والعشوائية الثقافية.

فاليوم في سوريا، القاتل والمقتول، والسائل والمسؤول، كل يضع أقدامه على جحيم البغضاء، وتذهب سوريا باتجاه الفناء بعد أن دمر الحقد بنيتها التحتية، وشرد الملايين ويتّم الأطفال، وجعل سوريا مجرد ذاكرة مثقوبة، تخر منها نتف أجمل الحضارات، وتذهب جفاء، ويطل على العالم شبح اسمه الفوبيا أو الخوف المرضي، ووجه شائه بلا ملامح، اسمه سوريا. وأعتقد أن داعش ومسميات أخرى، لن تغيب عن الوجود، طالما بقيت ثقافة الغالب والمغلوب، وطالما تضخمت الذات البشرية، وأصبحت بحجم الطائرات المحلقة في السماء، ولن يغادر الموت مكانه طالما الأدوات نفسها باقية، وأولها الحقد على الآخر، والإصرار على أن يصبح العالم لوناً واحداً، بمثل ما يريده الحاقدون. هذا الغش العقائدي هو الذي أفرز هذه الأوبئة وهو الذي أنتج داعش، لذلك لا تكفي كل مخازن السلاح في القضاء على داعش، إذا لم يغير الإنسان من مفهومه للحياة، وإذا لم تغير الدول سياستها العدوانية تجاه نقائضها، وإذا لم يستسلم البشر لأمر واحد، ألا وهو أن من يزرع شجرة يجني حقلاً زاخراً بالأثمار، ومن يقتل إنساناً، فكأنما قتل الناس جميعاً. وما بين الموت والحياة خيط الوهم، هذا هو المرض الخبيث الذي استوطن عقول الكثيرين من البشر، وصار واقعاً يعشعش في الأذهان، فالبعض كذب وكذب وكذب، وصدق كذبته، حتى صار الكذب ناموساً وخيالاً جامحاً يسد نوافذ الوعي، ويدع من يكذب لا يلتفت يمنة ولا يسرة، الأمر الذي يجعله أسير أفكار أشبه بالأحافير التي لا معنى لها، سوى أنها تدل على أن هناك بشراً لا زالوا يملكون طاقة هائلة من الأكاذيب، ولا يعترفون بوجودها.

المصدر: الإتحاد