الطرابيش والقودريدز

آراء

يعد تطبيق «القودريدز» المنصة الأولى في العالم لما يعرف بـ«القراءة الاجتماعية»، ويعمل تماماً مثلما تعمل مواقع الحجوزات السياحية التي تنقل آراء الأشخاص العاديين وتوصياتهم حول الفنادق والمطاعم التي زاروها أخيراً، بعبارة أخرى هو البرنامج الذي جعل من القراءة عملاً اجتماعياً بعد أن كانت نشاط فردياً حبيس الجدران، وبذلك تغير مفهوم القراءة لتتجه نحو التفاعل الاجتماعي في البيئات الرقمية، الإحصاءات تشير إلى أن عدد مشاهدات «القودريدز» تخطى المليار مشاهدة سنوياً، وتحتل أميركا المركز الأول في عدد المستخدمين، اللافت هنا أن الفلبين تفوق جميع الدول العربية في معدلات الاستخدام بأربعة أضعاف.

الأرقام هذه تعكس حال القارئ العربي الذي يعيش تحت هيمنة ما يسمى بـ«المثقف» القادم من ثلاثينات القرن المنصرم، معتمراً الطربوش ومحاولاً فرض الوصاية على ذائقة القراء، أضف لذلك العبارة التي بت أسمعها كثيراً في ندوات عام القراءة، وملخصها أن القراءة وسيلة، وأن الكتابة عمل نخبوي، والصحيح أن القراءة غاية في حد ذاتها، أما نخبوية الكتابة فماتت منذ أن حل الإنترنت ليفتح المجال أمام المدونات، ثم آل الوضع إلى مسألة عرض وطلب، كلا الأمرين جعلا القارئ العربي يحجم عن كتابة مراجعاته حتى لا يتهم بأنه أرتدى طربوشاً أكبر من رأسه.

يضاف إلى ذلك أن القارئ العربي لم يستوعب أهمية كتابة المراجعة الفنية لقراءاته، ومصدر أهميتها في كونها تعكس شغف القارئ بالكتاب وتظهر عاطفته نحوه وانطباعاته، كما أنها تبني قدراته الشخصية على رؤية الأشياء والحكم عليها، وأخيراً هي لا تعني كتابة ملخص عما قرأ؛ إنما هي وصف دقيق ومختصر لسمات الكتاب، ويماثل أحدهم كتابة المراجعة بآخر الكلمات التي ينطقها الإنسان قبل أن يرحل بدقيقة، عبارات صادقة ومن القلب.

إشكالية أخرى ترتبط بتحويل الانطباع الوصفي إلى كمي في منصة «القودريدز»، فيتم تقييم الكتاب على مقياس الخمس نجوم، وللتوضيح، كتب اثنان من رواد «القودريدز» المعتبرين – ممن يتحلون بالصدقية – رأيين مختلفين حول رواية «حفلة التفاهة» لميلان كونديرا، الأول كتب: لم أتخيل يوماً أنني سأقول هذا الكلام عن أحد أعمال ميلان كونديرا، ولكن هذه الرواية تافهة فعلاً! وأعطاها نجمة واحدة فقط، بينما امتدح الثاني الرواية قائلاً: العمل الذي يتناول معنى التفاهة بفلسفة تنطلق من زاوية العلاقات الأسرية والصداقات، وأعطاها ثلاث نجمات، في اعتقادي الخاص أن كلا التقييمين صحيح، ولا تعارض بينهما، فالمراجعتان هما نتاج ذائقتين مختلفتين تحكمهما عواطف شخصية وميول وخبرات قرائية متراكمة، فهما خطان «مستقلان» قد يتقاطعان فيتفقان على رأي واحد وقد يسيران في اتجاهين مختلفين.

ختاماً، نحتاج لأذواق عربية متعددة في «القودريدز»، وقبل أن يحكم القارئ على الكتاب بناءً على مراجعة ما، عليه أن يسأل نفسه إن كان ذوقه الشخصي يطابق ذوق صاحب التوصية، ففي الرواية، مثالاً؛ هناك قراء مغرمون بالخيال والفانتازيا وهناك قراء حبيسو المدرسة الواقعية الكلاسيكية، الخطوة التالية أن يقوم القارئ بكتابة مراجعاته بنفسه واستكشاف ذوقه الخاص وتكوين شخصيته القرائية، وليكن في أذهننا أن أي عمل فكري يجتمع الناس على مدحه أو ذمه هو عمل مشكوك فيه، فتباين الآراء مسألة إنسانية بحتة.

المصدر: الإمارات اليوم