سامي الريامي
سامي الريامي
رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم

العبرة من سياسة الطفل الواحد!

آراء

لعل أول ما يتبادر إلى الذهن عند سماع كلمة «الصين»، هو عدد السكان الذي يفوق 1.5 مليار نسمة، ولعل الذاكرة البشرية لا تنسى ذلك القرار الشهير الذي اتخذته جمهورية الصين، في عام 1979، بتحديد النسل، وفرض سياسة الطفل الواحد فقط لكل أسرة صينية، وذلك لوقف الأعداد المتزايدة سنوياً من البشر في الصين.

الحكومة الصينية اتخذت هذا القرار في نهاية السبعينات، وفرضت هذه السياسة على الشعب، وتابعتها برقابة صارمة وعقوبات رادعة، لأسباب عدة، فمعدل الخصوبة كان يبلغ (6) وهو رقم مرتفع، يقابله تزايد كبير في حدة الفقر آنذاك، لذلك سعت الحكومة لتقليل عدد المواليد من أجل خفض النمو السكاني المرتفع، وتحسين الرفاه الاجتماعي والدخل، لذلك طبقت القانون بقسوة، وكانت غرامات مخالفة القانون وإنجاب طفل ثانٍ، تساوي غرامات من ثلاثة إلى ثمانية أضعاف الدخل السنوي، إذا كان دخل الأسرة دون متوسط دخل المنطقة، يضاف إليها ضعف إلى ضعفي الدخل السنوي إذا كان دخل الأسرة فوق المتوسط!

ونتيجة هذه السياسة السكانية التي اتبعتها الصين، تحقق الكثير من الأمور التي اعتبرتها الحكومة نجاحاً وإنجازاً كبيراً، واعتبرت لذلك أن القانون حقق الأهداف المرجوة منه وزيادة، حيث انخفض معدل الخصوبة من (6) إلى (2)، ثم انخفض معدل الإعالة من 80 إلى 38، وهو دون المتوسط العالمي 52، والأهم أن الحكومة الصينية تمكنت من منع ولادة نحو 400 مليون مولود منذ الثمانينات حتى الآن!

ومع ذلك، ورغم أن الحكومة حققت المطلوب، إلا أن عام 2015، وتحديداً في شهر نوفمبر، تراجعت الصين عن سياسة الطفل الواحد، وقامت الحكومة الصينية بالسماح بإنجاب طفلين لكل عائلة، فما الذي حدث؟ ولماذا تراجعت الحكومة عن قرار وسياسة استمرت أكثر من 37 عاماً تقريباً؟ والسؤال الأهم هو هل التراجع عن القرارات أمر سلبي أم إيجابي؟

الصين استطاعت الحد من الإنجاب بفضل القرار، وهذا شيء صحيح لم يختلف عليه أحد، لكن الحكومة بدأت تلاحظ ظهور مشكلات اجتماعية عديدة لم تكن معروفة في المجتمع الصيني، حيث بدأ الناس يلجأون إلى «وأد البنات» لتفضيل المجتمع الذكور، ثم ظهرت لديهم مشكلة اجتماعية ضخمة، حيث ظهرت بوضوح علامات الشيخوخة السكانية، وتزايدت بشكل مخلّ شريحة كبار السن، في حين بدأت تتلاشى شريحة الأطفال والصغار والشباب، ما هدد بشكل مباشر النمو الاقتصادي المستقبلي لهذه الدولة العظمى، بمعنى تهديد مباشر لمكانتها وديمومة قوتها، ثم ظهرت مشكلة أخرى لم ينتبه لها واضعو السياسة، حيث فقد عشرات الآلاف من الآباء والأمهات طفلهم الوحيد، في حوادث أو أمراض أو أي أسباب أخرى للموت، وذلك بعد أن وصل الوالدان إلى عُمر متقدم لا يستطيعون معه الإنجاب، ما جعل عشرات الآلاف من السكان يعيشون حالة إحباط واكتئاب حاد.. لذلك تحركت الحكومة وتراجعت عن قرار كان يعتبر من الأمور السيادية، لتترك المجال للعائلات لإنجاب طفلين بعد سنين طويلة من المنع!

عموماً ما يهم في المثال الصيني هو التأكيد على ضرورة مراجعة القوانين بشكل دوري في كل مكان، والأفضل أن تكون هذه المراجعة كل ثلاث سنوات، أو حداً أقصى خمس سنوات، ما لم تحدث هناك تغييرات إقليمية أو عالمية تحتم المراجعة الفورية للقوانين، وليس من المستحب ولا من المفضل ولا من المنطق ترك القوانين لسنوات طويلة من دون مراجعة، فلربما تغير الأثر المتوقع من القرار من خانة الإيجابية إلى خانة السلبية من دون أن يشعر به المدير أو المسؤول، ولاشك في أن استمرار القرار بسلبياته له كثير من التداعيات التي تضر بيئة العمل والعاملين وجميع المشمولين بالقرار، ولا يكفي أبداً أن يكون قرار ما ناجحاً بفاعلية في سنة تطبيقه الأولى أو الثانية أو الثالثة، لنتركه من دون مراجعة وتدقيق وتحليل.

المصدر: الإمارات اليوم