علي عبيد
علي عبيد
كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة

العصفور والرصيف

آراء

استرعت انتباهي تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، لنائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، عبر حسابه الرسمي، حيث وضع سموه مقطع فيديو يظهر فيه فرخ طائر صغير يحاول اعتلاء رصيف في يوم ماطر، لكنه يفشل في المحاولة، قبل أن تمتد إليه يد لترفعه برفق وتضعه على الرصيف لينطلق إلى الناحية الأخرى. ويعلق سمو الشيخ سيف بن زايد على المقطع قائلا: “كل مخلوق في بداياته يحتاج لمن يأخذ بيده، حتى الدول الكبيرة بدأت بمن رسم لها الطريق”.

مقطع “العصفور والرصيف” يصلح في رأيي لأن يكون درسا لنا في أمور كثيرة، تبدأ من الطفولة المبكرة، وتمتد حتى آخر العمر. تنطلق من داخل البيت، وتنتقل معنا إلى المدرسة، فالجامعة، ثم الحياة بكل ما نواجهه فيها من أوجاع ومسرات بعد أن ندخل معتركها.

والدرس لا يقتصر على الأفراد فقط، بل يشمل الدول أيضا، مثلما ذكر سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان في تعليقه على مقطع الطائر الصغير، بحيث يمكن أن تتشكل منه نظرية يمكن تطبيقها في نواحي الحياة المختلفة. ولو أردنا أن نضرب عليها مثالا لوجدنا ملايين الأمثلة التي يمكن أن تكون شواهد حية عليها، واحد منها وزارة الداخلية التي يتولى قيادتها سمو الشيخ سيف بن زايد نفسه..

والتي حصلت مؤخرا على شهادة الآيزو (20089001) من هيئة “لويدز ريجستر كوالتي أشورنس”، لتصبح بذلك أول وزارة داخلية على مستوى العالم تحصل جميع وحداتها التنظيمية على هذه الشهادة. فهذه المكانة التي احتلتها وزارة الداخلية في دولة الإمارات العربية المتحدة بين وزارات الداخلية في العالم، رغم أن عمر العمل الشرطي في الإمارات لا يتجاوز العقود الستة، ما كانت لتتحقق لولا المحاولة والمثابرة، وعدم الاستعلاء على التعلم وطلب المعرفة، ولولا الاستعانة بخبرات ومعارف الآخرين والاستفادة منها.

الإغراق في ضرب الأمثلة سوف يقودنا بالتأكيد إلى مناطق كثيرة في حياتنا الشخصية والعملية، وفي تاريخ الشعوب والأمم أيضا، ولكن تبقى جوانب مهمة يجب التركيز عليها لأخذ العظة والعبرة من مقطع “العصفور والرصيف”، الذي لفت انتباهنا إليه سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان. أول هذه الجوانب هو أن فرخ الطائر الصغير كان يحاول اعتلاء الرصيف..

وكان يجري ذهابا وإيابا كي ينتقل إلى الناحية الأخرى، وهذا يعني أن المحاولة هي أول درس مستفاد من المقطع، لأن الذي لا يحاول، حيوانا كان أو إنسانا، لا ينجح في تحقيق أي شيء، فعدم المحاولة مؤشر يدل على الخمول ونقص الطموح، كما أن من لا يحاول لن يجد من يمد له يده كي يساعده.

فالمحاولة إذن هي أول شروط النجاح للوصول إلى الأهداف التي يريد أي كائن أن يحققها، كي يصعد سلم النجاح في هذه الحياة التي لا تعترف بالخاملين والعاجزين الذين يركنون إلى الراحة والدعة، ولا يحاولون الخروج من دائرة العجز.

أما ثاني الدروس المستفادة من مقطع “العصفور والرصيف”، فهو وجود اليد التي يمكن أن تمتد كي تعين وتساعد، فلولا اليد التي امتدت برفق وحنان إلى فرخ الطائر الصغير لترفعه وتضعه على الرصيف كي يعبر إلى الناحية الأخرى، لظل الفرخ محبوسا في الناحية التي كان يجري فيها، وربما خارت قواه وبقي في مكانه..

أو بحث عن طريقة أخرى للعبور معرّضًا نفسه للخطر. هذه اليد ربما يسوقها لنا القدر دون أن نتجشم عناء البحث عنها، لكن هذا لا يعني أن نبقى منتظرين على أمل أن ترسل لنا الأقدار يدا تمتد إلينا لتنتشلنا من الحيرة التي نحن فيها.. فليس عيبا أن نعترف بعجزنا عندما نحس أننا غير قادرين على الوصول إلى أهدافنا..

وليس عيبا أن نطلب العلم عندما نحس أننا نفتقر إلى المؤهلات المطلوبة للوصول إلى هذه الأهداف، وليس عيبا أن نطلب المشورة عندما نحس أننا نحتاج إلى الخبرة الكافية التي تدعم مؤهلاتنا العلمية.

العيب كل العيب هو أن نظل واقفين على رصيف الانتظار دون أن نحرك ساكنا، والخطأ كل الخطأ هو أن نحصر تصورنا لهذه اليد التي يمكن أن تمتد إلينا، في إنسان أو جهة ما تساعدنا ماديا أو معنويا، فهذه اليد يمكن أن تمتد إلينا من داخلنا، لتكون الرافعة التي تنقلنا من الضفة التي نحن واقفون عليها، إلى الضفة الأخرى التي نريد الانتقال إليها، لذلك تكتسب هذه اليد من الرمزية نصيبا غير قليل.

ويبقى في مقطع “العصفور والرصيف” جانب أتمنى أن يكون كل من شاهد الفيديو قد لاحظه ورصده جيدا، فأرضية الناحية التي كان فرخ الطائر الصغير يجري عليها كانت من الأسفلت، تخلو من اللون الأخضر تماما، أما الناحية الأخرى التي كان يحاول العبور إليها فكانت عامرة باللون الأخضر وألوان الزهور المختلفة المنتشرة فيها، الأمر الذي يجعل منها رمزا للبهجة والسرور والأمل وكلِّ شيء جميل في هذه الحياة، وفي هذا درس آخر لا يخفى على فهم العارفين.

شكرا سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، فقد جعلتنا نستنبط كل هذه الدروس والعبر من مقطع فيديو صغير لم يستغرق أكثر من عشرين ثانية، فكم تُرى في هذه الحياة الطويلة الممتدة من دروس وعبر نحن غافلون عنها؟

المصدر: البيان