علي عبيد
علي عبيد
كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة

العيد بين رجال قواتنا المسلحة

آراء

رغم بعدهم عن الوطن والأهل، في يوم يجتمع فيه الشمل، إلا أننا رأينا على وجوههم البشر، تلك الوجوه التي كانت مشرقة وباسمة تحت الشمس، تضاهي قرصها إشراقاً ووضاءً، لإيمانها بأنها تؤدي واجباً تجاه وطنها وقيادتها وأهلها، تهون دونه كل التضحيات، وترخص المهج.

بمبادرة كريمة من قيادتنا الرشيدة، التي عودتنا دائماً على مثل هذه المبادرات العظيمة، تشرفتُ ومجموعة من الزملاء الكُتّاب والإعلاميين والأدباء وأعضاء المجلس الوطني الاتحادي والفنانين، بقضاء يوم عيد الأضحى المبارك مع رجال قواتنا المسلحة البواسل، الذين يذودون عن حياض الوطن، ويقفون بالمرصاد لأعدائه المتربصين به من الخارج.

كان عيداً غير عادي بكل المقاييس، بدأ قبل أن تشرق شمس يوم العيد بأيام، منذ أن تلقيت خبر اختيار قيادتنا الرشيدة لنا كي نحظى بشرف قضاء يوم العيد بين جنود قواتنا المسلحة المرابطين خارج الوطن، واستمر هذا الشعور مصاحباً لي ونحن على متن الطائرة المقلة لنا، مع مجموعة من قيادات قواتنا المسلحة، إلى حيث يرابط جنودنا البواسل، وبلغ هذا الشعور ذروته عندما لامست أقدامنا الأرض، حيث يرابط هؤلاء الجنود الأشاوس ملبين نداء الواجب، واضعين أرواحهم على راحات كفوفهم، مستعدين للتضحية بها في سبيل وطن أراد لهم العزة، فأرادوا له أن يظل مرفوع الرأس ساطع الجبين، لا يجرؤ أحد على مس شبر منه، أو الاقتراب من حياضه.

ما الذي يمكن أن تقوله لجندي يضع روحه على راحة كفه، ويقف مرابطاً في يوم فرح مثل يوم العيد، وما الذي يمكن أن تفعله سوى أن تنحني له إجلالاً وإكباراً، فكل الكلمات تبقى عاجزة عن التعبير عندما تقف أمام هذا الجندي الواضع يده على زناد سلاحه، المؤمن بفكر قيادته، الذي يعرف أن وقوفه في هذا المكان، على بعد آلاف الأميال من حدود وطنه، فيه حماية لذلك الوطن البعيد عن موطئ قدمه، القريب من قلبه، وفيه دفاع عن أهله الذي يقيمون هنا على الأرض التي يدافع عنها، وعن أهله الذين يقيمون هناك في وطنه، يشتاقون لقضاء العيد معه مثلما يشتاق هو إلى لقضاء العيد معهم، لكن نداء الواجب يدعوه ويدعوهم إلى التضحية، فيفعلون ذلك بحب ورضا، لأن الغايات السامية تحتاج إلى تضحيات كبيرة، والأوطان العظيمة تحتاج إلى مواطنين عظماء، وإلى رجال مثل هؤلاء الجنود الأشاوس الذين رأينا العزم والتصميم على وجوههم، كما لم نرها على وجه أحد في مثل هذا اليوم، يوم عيد الأضحى الذي عشناه معهم.

في يوم العيد الذي قضيناه مع جنودنا البواسل في مقرات قيادتهم، وعلى خطوط التماس التي يتمترس فيها جنودنا، شعرنا بالفخر لانتمائنا إلى هذا الوطن العظيم، وشعرنا بالامتنان لقيادة هذا الجيش التي عملت على إعداده بهذه الكفاءة والحرفية التي رأيناها تتجلى في استعداداته ومعداته، وبهذه الروح الوطنية العالية التي تغمر نفوس ضباطه وجنوده، كما لمسناها على أرض الواقع، وبهذا الإيمان والعزم والتصميم على تحقيق رؤية وإرادة قيادته التي تقرأ الأحداث، وتؤمن أن حدود الوطن لا تبدأ من نقطة عبوره، وإنما تبدأ من هناك، من حيث يخطط الأعداء وعملاؤهم ويتآمرون على أمن هذه المنطقة، ويسعون للاستيلاء على دولها، دولة بعد دولة، ويهددون الحرمين الشريفين للوصول إلى هدفهم الأكبر، وهو الاستيلاء عليهما، ولعمري إن هذا هدف لن يتحقق لهم، طالما كانت لدينا قيادة حكيمة مثل قيادتنا، تعرف الأهداف البعيدة للأعداء قبل القريبة، وتؤمن بأن الدفاع عن أرض الأشقاء هو دفاع عن أرض الوطن، وأن الوطن ليس هو الأرض التي نعيش عليها فقط، وإنما هو المصير المشترك الذي يجمعنا مع أشقائنا المدافعين عن وجود هذه الأمة وشرفها.

في يوم العيد لجنودنا البواسل، أينما كانوا، كل الإعزاز والإجلال والإكبار، ولقيادتنا الرشيدة التي منحتنا هذا الشرف كل الشكر والتقدير، ولوطننا دولة الإمارات العربية المتحدة كل الحب. كل عام وقيادتنا ووطننا وجنودنا البواسل وشعبنا بعزة وكرامة.

المصدر: البيان