الفتاوى الفضائية

آراء

تابعت – قبل أيام – برنامجاً دينياً بثته قناة فضائية، تكررت الأسئلة المعتادة، مثل حكم استخدام معجون الأسنان وقت الصيام، وأكلت قبل الغروب أو بعد الأذان.. الأسئلة والأجوبة نفسها، نجدها في الإذاعات والصحف ومواقع الفُتيا على الإنترنت، وكم تمنيت أن يتطوع أحد الباحثين النفسانيين، ويجمع تلكم الأسئلة، ثم يبدأ في دراسة وتحليل المسائل العالقة باستمرار بذهن الفرد المسلم، وفهم طبيعة الأمور التي تؤرقه، وتشغل حيز تفكيره.

المعضلة الحقيقية تكمن، اليوم، في عدم قدرة العقل على طرح الأسئلة الجديدة، فالفتاوى القديمة مدونة بإجاباتها الوافية، وحول هذا الأمر أسوق مجموعة من المقولات التي تبين عمق هذه المعضلة وأبعادها، حيث يقول ألبرت أينشتاين: «إن طرح الأسئلة الجديدة يعني الفهم الجديد لفكرة قديمة ثابتة، ومحاولة فهمها من زاوية أخرى»، ويرى أحد المفكرين أن التوقف عند الأسئلة القديمة دلالة على توقف الإنسان عن التعلم، وفي السياق نفسه تقول أستاذة علم النفس، أليسون غوبنيك، إن طرح الأسئلة هو الوظيفة الأولى للعقل، فبعد ولادتنا تبدأ عقولنا في التساؤل مباشرة عن كيفية إشباع حاجتنا الأساسية للغذاء.

أسئلة فتاوى الفضائيات تشير إلى الطبيعة الذهنية للفرد المسلم، ويفسر محمد عابد الجابري هذه الحالة؛ واصفاً مسلم اليوم بالانفصال عن ذاته، فهو من جهة يحاول أن يجد نفسه في الماضي، ومن جهة أخرى يرى أنه جدير بالعيش في المستقبل، الأمر الذي يدفعه إلى صياغة موقفه من الحاضر بأسئلة تنتمي للماضي، لذا لا أستغرب شخصياً الأسئلة التي تدور حول حكم استخدام فلاتر «السناب شات»، أو حكم الراقي الذي يستخدم الجن المسلم للعلاج!

فتاوى الفضائيات قد تعكس كسل المستفتي عن البحث بنفسه عن الإجابة، وشغفه الدائم بسماع العبارتين يجوز أو لا يجوز، اللتين يريح بهما ضميره، ويحدد خلالهما موقفه من الأشياء، أو فقدانه الثقة بقدراته الشخصية في فهم أمور دينه، أو العكس تماماً؛ فهو لا يثق بالمفتي، الأمر الذي يدفعه إلى قصر سؤاله على الأمور البسيطة البعيدة عن التعقيدات المنطقية والفلسفية، لأن حجم معرفة المفتي لا تتجاوز حدود الحلال والحرام، أو قد يكون السبب في الصورة الذهنية للمفتي نفسه؛ بركونه إلى المعالجة الفقهية السريعة للأسئلة، ليقع بذلك في خطأ جسيم، فيبتعد بالسائل عن جوهر السؤال، فالمستفتي عن العلاج بواسطة الجن يجب توجيهه نحو المشافي، فحكم يجوز أو لا يجوز لن يحل مشكلته، وليس من كتمان العلم الترفع وعدم الإجابة عن الأسئلة السطحية حول حكم فلاتر «السناب»، أو استخدام «الإيموجي» في رسائل الدردشة.

وأخيراً؛ للإنسان حرية السؤال، ولا يقبل التهكم أو السخرية من كل سائل يبحث أو سؤال يطرح، لكن يتعين علينا فهم العلاقة الرابطة بين «اهتمامات الفرد، وأولوياته، ومستوى تفكيره»، وبين أسئلته.

المصدر: الإمارات اليوم