محمد النغيمش
محمد النغيمش
كاتب متخصص في الإدارة

القائد الملهم والتقليدي

آراء

عندما تأمل عالم الإدارة د. جيمس بيرنز عبر دراساته الشهيرة، القادة، وجدهم ينقسمون إلى نوعين. الأول قائد تحويلي (transformational)، أي لديه المقدرة على إجراء تحول أو تغيير نوعي في المؤسسة وفي أتباعه. ولذا فهو يتمتع بمقدرة كبيرة على تحفيز من حوله لأنه «ملهِم» ومحفز ولديه رؤية ثاقبة ولا يعمل لنفسه، بل لمصلحة المؤسسة. وهذا النوع يذكرني ببعض القادة ممن ينحصر جل اهتمامهم في حماية كراسيهم ربما لأنهم موقنون بضعفهم فتجدهم مثلا يتحاشون تعيين نواب لهم خشية أن «يخطفوا منهم الأضواء». ومنهم من لا يهدأ له بال إلا بإحاطة نفسه بضعفاء يسيرهم كيفما شاء، ولا يعلم أن القائد يستمد قوته من قوة فريقه. ولحسن الحظ، فإن هذه السلبيات لا يفعلها القائد التحويلي المؤثر.

أما النوع الثاني فهو القائد الإجرائي (transactional)، أي «التقليدي» الذي ينصب جل اهتمامه على تسيير الإجراءات اليومية. فهو ديدنه التأكد من أن أتباعه أو مرؤوسيه يطبقون الأهداف المكتوبة. ويعاملهم بمبدأ الثواب والعقاب، ولذا فإن علاقته مع الآخرين «تبادلية»، وهو اسم آخر اشتهر به هذا النوع من القيادة.

هاتان النظريتان انتشرتا بشكل كبير في عالم الإدارة، وهما من الأنماط الحديثة في القيادة حتى جاء علماء من أمثال الدكتور برنارد باس ورفاقه فتمكنوا عبر نموذج تقييمي من قياس صفات محددة تحدد من هو القائد التحويلي الذي تظهر بصماته الجادة في تحويل مسار هذه المؤسسة وجهود أتباعه.

وتوصلت دراسة لإحدى الجامعات إلى أن القائد التحويلي (الملهم) يكون أتباعه أكثر إنتاجية ممن يتبعون القادة الإجرائيين. وهذا ليس بمستغرب، فهذا القائد يمتاز بمقدرة على شحذ الهمم وتعزيز الولاء وزرع الاحترام والعمل كقدوة مهنية وأخلاقية لأتباعه.

والملاحظ أن المرء قد يكون فيه خليط من صفات القائد الملهم (التحويلي) والقائد التقليدي (الإجرائي) غير أنه كلما مالت الكفة نحو الأول كان تأثيره أكبر. ولا نذيع سرا إن قلنا إن إحداث التغيير المرجو ليس محصورا في القائد، مهما بلغت قدراته، إذ لا بد أن يمد مرؤوسيه أيديهم لمساعدته لتحقيق رؤيته وأهدافه. ففي نهاية المطاف، القائد مثل قبطان السفينة يمخر عباب البحر بمهارة حينما يكون مسنودا بفريق ملاحي كفء.

المصدر: الشرق الأوسط
http://classic.aawsat.com/leader.asp?article=793535