سامي الريامي
سامي الريامي
رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم

الكلفة المستقبلية أعلى بكثير!

آراء

لن نشعر أبداً بقيمة الماء إلا إذا فقدناه، عندها سنندم على كل قطرة أهدرناها، فهو أثمن وأغلى شيء يمكن أن نخسره، وهو حالياً من أرخص الأشياء التي نحصل عليها، هذه المعادلة لن يفهمها كثيرون إلا عندما تصل درجة الخوف من فقدان الماء لتصبح هاجساً يتحكم في عمليات استخدامه، ولنستحضر دائماً ذلك الملك الذي خرج إلى الصحراء، وفقد حصانه، وكاد أن يهلك من العطش، فأتاه رجل بكأس ماء، وقال له بكم تشتري هذه الكأس؟ قال له: أشتريها بملكي كله. وبعد أن شرب قال جملته الشهيرة: لا بارك الله في ملك لا يساوي كأس ماء!

عودة إلى الواقع، بعيداً عن القصص، فهو يشير إلى أن دولة الإمارات واحدة من أكثر دول العالم سهولة في حصول الفرد فيها على الماء، وهذا شيء جميل، لكنه تحول إلى ممارسة سلبية للغاية، فسهولة الحصول على الشيء دائماً تفقده قيمته، وهذا ما حصل، فهدر الماء في الإمارات أيضاً هو الأعلى عالمياً، ووصل متوسط استهلاك الفرد اليومي من الماء إلى ‬500 لتر، في حين أن المعدل العالمي لا يتجاوز ‬200 لتر في اليوم!

والمشكلة الكبرى أن الاستخدام الجائر للماء لايزال مستمراً، وإذا استمر معدل الاستهلاك، كما هو الآن، فالطلب على الماء سيتضاعف إلى نحو تسعة مليارات متر مكعب بحلول عام ‬2030، فهل نحن جاهزون لذلك؟

وضعنا المائي غريب جداً، فنحن دولة صحراوية شحيحة الموارد المائية، وقليلة الأمطار، وعديمة الأنهار، ومع ذلك فلا ثقافة عامة عند كثير من المواطنين والمقيمين بضرورة ترشيد استخدام الماء، وكثير منهم يهدرونه، ويستخدمونه بشكل جائر، ويتعاملون معه بلا أدنى مسؤولية، والسبب في اعتقادي يرجع إلى الجهات المعنية التي تتغاضى عن وضع السياسات اللازمة لوقف الهدر، ولا أدري ما الذي تنتظره مع تزايد معدلات الاستهلاك بشكل سنوي مخيف!

ليست السياسات والقوانين المشددة وحدها هي الحل، مع أنها جزء رئيس لا يتجزأ منه، ففي دولة خليجية مثلاً يملك مفتش الكهرباء والماء حق مخالفة أي منزل يرى أمامه مياهاً زائدة تدل على استخدام جائر، في حين لا رادع لأي ممارسة سلبية هنا، وفي دول أخرى لا يتم الترخيص لأي صناعات تستنزف الماء، وأشك في أن ذلك موجود هنا.

مع ذلك لابد من البحث عن بدائل أخرى للحصول على الماء، مع وضع هذه السياسات والقوانين الرادعة للحد من استنزافه، وكما أشرت، أمس، فبلدية دبي لديها تجربة رائدة في ري المسطحات الخضراء في الشوارع، وحالياً المزارع، بمياه الصرف الصحي بعد معالجتها، وبلدية الشارقة بدأت توصيل المياه المعالجة إلى البيوت بأسعار رمزية، وهذه خطوة أولى رائعة، لكنها غير كافية، والمطلوب الآن ربط مائي لمياه الصرف الصحي المعالجة في الدولة، وهذا من دون شك مشروع استراتيجي يعزز العائد على الاستثمار في مشروعات التحلية، ويحفظ المياه الجوفية.

قد يكون المشروع مكلفاً مالياً، لكن التخطيط الاستراتيجي يحتم علينا البدء في مثل هذا المشروع، فالتكلفة الحالية مهما كانت لن تساوي شيئاً أمام كلفة عدم الحصول على الماء مستقبلاً!

المصدر: الإمارات اليوم