اللهو الباطل

آراء

ديننا الإسلامي الحنيف دين الجد والعمل لما ينفع المرء في دينه ودنياه، لذلك هو يكره الباطل واللهو الزائل، ويدعو الناس لأن يترفعوا عن كل ما لا ينفع، فضلاً عما يضر بالنفس أو بالغير، وقد ورد في الحديث «كل ما يلهو به المرء المسلم باطل، إلا رميه بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبته أهله»، وترجم له البخاري بقوله: «باب» كل لهو باطل إذا شغله عن طاعة الله، ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك، ثم استدل لذلك بقوله تعالى: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله}، قال الحافظ ابن حجر: وإنما أطلق على ما عداها ـ أي الثالثة المذكورة – البطلان من طريق المقابلة، لا أن جميعها من الباطل المحرم. اهـ

وقد أخبرنا سبحانه وتعالى أن الكون كله لم يخلق باطلاً ولا لعباً ولا لهواً بل بالحق، ليكون أهله على الحق والهدى لا على الباطل والعبث فقال سبحانه: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا} وقال سبحانه: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ} ليُعلم عباده أن الباطل ليس من شأنهم، فهم خلقوا لمعرفته وعبادته وعمارة الكون، فإذا لم يوظفوا أعمارهم بذلك فإنهم يكونون قد أضاعوه سدى وكان عليهم 

حسرة.

نقول هذا في وقت كثر فيه الباطل وانتشر انتشار النار في الهشيم، وانصرف الناس عن الحق وما ينفعهم إلى ما قد يضرهم أو يضر غيرهم، كهذه اللعبة التي ظهرت المسماة بـ«بوكيمون جو» التي تستخدم خدمة الخرائط والكاميرا في الهواتف المحمولة لممارسة لعبة «الواقع المعزز»، والتي تقوم على فكرة البحث عن البوكيمونات واصطيادها، ومن ثم المتاجرة بها أو التنافس مع الأصدقاء، وقد يدفعه الهوس للبحث عنها في الشوارع والحدائق ونحوها لاصطياد البوكيمون، وتظهر خريطة الأماكن المحيطة بالاعتماد على تفعيل خاصية الموقع الجغرافي في الهاتف. وقد يكون ذلك في الأماكن المحظورة ذات الملكية العامة أو الخاصة، فيؤدي ذلك إلى انتهاك خصوصيات البيوت والمؤسسات.

والباعث لذلك هو اللعب واللهو الباطل غير المنضبط بالأخلاق والقيم واحترام حقوق الآخرين وخصوصياتهم، وإذا كان الشارع الحكيم قد حمى بيوت الآخرين وممتلكاتهم من تسورها أو النظر إلى داخلها من غير إذن أصحابها، فإن تصويرها وبثها للفضاء هو أكبر إثماً وأكثر خطراً، لما يترتب عليه من آثار سيئة، ولا يعفي الفاعل عفويته من جرم المؤاخذة.

فضلاً عما يترتب عليه من آثار سيئة عليه، فإنه وكما شاهدنا من المقاطع يكون كالمسلوب الإرادة وهو يمشي يتتبع المواضع التي يريد اصطياد البوكيمونات فيها، وقد يمشي إلى حتفه ولا يشعر إلا وقد وقع في وهدة فألمّ به حادث أليم.

لذلك كان من المتعين على شباب التواصل الاجتماعي أن يكونوا حصفاء فلا تستهويهم لعبة تسخرهم لنفعها وهم لا يشعرون، فإن هذه اللعبة هي أكثر التطبيقات المجانية تحميلاً من على متجر تطبيقات «أبل»، وقد صعدت أسهم الشركة المصممة لها وهي «نينتندو» بنحو 25% في أكبر مكسب يومي في تاريخ الشركة بفضل نجاح «بوكيمون جو». كل ذلك بسبب تسخير الناس لها، وقد يكون المرء اللاعب عرضة للمساءلة القانونية أو المجتمعية إذا انتهك الخصوصيات.

فهل ينبغي لعاقل أن يكون كالخاتم في يد غيره يسخره لمصلحته كيف يشاء، ويكون هو عرضة للمساءلة القانونية فضلاً عن الشرعية؟!

المصدر: الإمارات اليوم