محمد خميس
محمد خميس
محمد خميس روائي صدر له من أمريكا رواية لفئة المراهقين بعنوان "مملكة سكابا" ، وله باللغة العربية مسرحية أدبية بعنوان "موعد مع الشمس"

اللوبي العربي

آراء

قد يكون العرب من أكثر الشعوب التى تؤمن بنظرية المؤامرة، فهناك بعد الشيطان، المحفل الماسوني، والحركة الصهيونية، والغرب بشكل عام، هم من خرب بيوت العرب، وتسببوا في كل إخفاقات الأمة العربية.

لذلك اجتهد العرب في تفكيك شفرة مؤامرات أعدائهم، ونجحوا نجاحاً باهراً في فضح مخططات الأعداء، وفهم نمطية عملهم ضدهم. نسمع ونشاهد ونقرأ التكتيكات والأساليب التى تعمل بها كل تلك القوى الشريرة لتدميرنا، ولقد أغرقها مثقفينا ومحليلينا، وشيوخ ديننا، تحليلات إلى درجة أننا أصبحنا نحفظها عن ظهر قلب، بل يستطيع أي طفل عربي، في المرحلة الابتدائية أن يفضح الإمبرالية الأمريكية، أو يلقي الضوء على الحرب القذرة التى تدور رحاها ضدنا.

مما يثير الكثير من علامات التعجب، والاستغراب، فطالما أننا قد كشفنا تلك الأساليب والألاعيب، وبتنا خبراء بها، فلماذا اذاً تنطلي علينا؟

لماذا في كل مرة يفتعل الآخر أمراً ليستفزنا عن قصد، بدلا أن نخيب آمالهم، ونفشل مخططاتهم نلجأ إلى ردة الفعل التى يتوقعونها منا، وياحبذا لو انتهى الأمر على ذلك، لكننا وللأسف نتبرأ من التهم التى توجه إلينا لأنفسنا، كالمتهم البريء الذي يقبض عليه ظلماً، وبدلا من أن يدافع عن نفسه ويقدم الأدلة على براءته، يكتفي بترديد “أنا بريء” لنفسه، وكأن العالم يسمع ما يدور في رأسه!

أتذكر حين تم نشر تلك الرسوم القذرة المسيئة إلى رسولنا الكريم، وكيف انبرت كل قنواتنا الفضائية والأرضية، وكل إعلامنا، يردد على مسامعنا ويحدثنا نحن -من يؤمن بالرسول الكريم ويبجله، ولا يرضى عليه- فضائل الرسول، ويؤكد على مكانته العالية في قلوبنا، وكأننا أغراب أو كأننا ندين بدين آخر، أو كأننا نحن من قام برسم تلك الرسوم!

الخطاب يجب أن يوجه لهم، من يقوم بالإساءة إلينا، لماذا لا تقوم الجامعة العربية مثلاً، بإنشاء محفل عربي، على غرار الماسونية -نعم الماسونية-  بحيث يضم خيرة العقول العربية، والمتنفذين في الوطن العربي، أجندته توصيل صورتنا الحقيقية للعالم، وشطب كل السلبيات عنا، يجند فيه أفراد من كل أنحاء العالم، ممن نظن أنه سينفع قضايانا في يومٍ ما؟

محفل يعمل ليل نهار، يخطط لغزوات فكرية وثقافية ضد الآخر، ولا هدف لديه سوى جعل العرب الأمة المحبوبة الأولى على مستوى كل الشعوب، لماذا لا نعتمد ذات الأسلوب الذي يعتمدونه، نؤسس شركات علاقات عامة، تقوم بحملات ضخمة، بإستراتيجية ورؤية واضحة، تروج للعالم أجمع، عن حقوقنا التى سلبت، لماذا لا نستثمر في وعي العالم بأجمعه، آسيا وأفريقيا، وأوروبا وأمريكا، نزرع فيه رسائل خفيفة في محتواها ولكنها ثقيلة في معانيها، تقبع في الوعي الإنساني وتأبى مبارحته. رسائل تقول أننا كغيرنا، الكثير منا طيبون، وقلة هم الأشرار، حملة تمحي صورة العربي الشرير، التى اخترعتها هوليوود على مر العصور.

لماذا لا ننضم إلى الآخرين، ونكوّن لوبي ضغط خاص بنا؟ أعلم أن حديثي هذا يبدو طوباوياً، وسهل اقتراحه، ويصعب تنفيذه، نتيجة للخلافات والضغائن الموجودة بيننا، ولكن ما المانع أن نتفق فقط على جزئية تعديل صورتنا المشوهة، أقلّه في الوقت الحاضر، ولنبقي خلافاتنا الأخرى كما هي، ألا يستحق هذا الهدف بعض التضحيات منا، فهو في الأخير عمل سيعود علينا جميعاً بالنفع.

نستطيع أن نموَل بأموالنا، أفلاما في هوليوود، يمثلها فنانيهم، وأن ننتج أغاني بأصواتهم موجهة لهم، أن نتخلص من عقدة التحدث الى أنفسنا، لنبدأ بالتحدث إليهم باللغة التى يفهمونها.

لا أدعو هنا إلى محاولة شراء رضاهم، أو تملقهم، إنما أدعو إلى تغيير منهجنا في التعامل مع الآخر، أدعو إلى استغلال ما تعلمناه على مر السنين، وعلى تطويع الواقع ليعمل لصالحنا، فطالما أنهم صوت العالم، فلنتحدث إذاً بصوتهم.

عند استعمالنا أسلحتهم التى يهزمونا بها في كل مرة، وبعد أن نعدل بها صورتنا، تأكدوا أن كلمتنا ستصبح مسموعة، وأن قضايانا ستؤخذ على محمل الجد، سيسهل علينا تكوين حلفاء لنا، وربما دافع عنا أبناءهم، وثار من أجلنا مواطنيهم، عندما يصل إليهم بطريقة صحيحة الظلم الذي وقع علينا على مر عقود إلى الآن.

حان الوقت أن نسحب البساط من تحت أرجل تلك الفئة القليلة التى عملت على تشويه صورتنا، ونجحت بتفوق في ذلك، نتيجة لتشتت جهودنا وتفرقنا في مخاطبة العالم.

خاص لـ ( الهتلان بوست )