ريم الكمالي
ريم الكمالي
كاتبة في صحيفة البيان

المؤلف والتجمعات الثقافية

آراء

كل التجمعات لها خصوصياتها، لتبقى تجمعات الأدباء مختلفة لما فيها من نقطة تلاقٍ لأفكار تقدمية وتنويرية، ليس في أيامنا فحسب، فهي ظاهرة منذ القدم وفي كل بقاع الأرض، باعتبار أنها لقاءات نهضوية، وصورة حداثية متواصلة، وبوصفها دعوات لحلقات فكرية مثابرة سواء في صالونات، مجالس، مقاهٍ، مراكز أو منازل… تبقى براقة، وإن بدت بعضها متعددة كردة فعل ضد تراجع التواصل الفكري وجهاً لوجه أمام التواصل الرقمي، لتنتشر هذه المحافل من باب الحاجة إلى التفاعل القريب.

بالطبع إن التمرين العقلي بين كل تلك الأذواق المختلفة في حواراتهم الجدلية والحيوية يأتي بهدف إذكاء الشغف والإلهام، بغية المزيد من القراءة والبحث، والكتابة الإبداعية، وحتى من أجل الوعي والنضوج والإلمام… كلها تجمعات تشجع التآلف، تحت مسميات مختلفة لاستخدام الكتاب منصة انطلاق ولمناقشة عميقة… لتبقى ملاذاً لأسئلة كبرى، وملجأً لموضوع أوسع ربما، أو حصناً لثقافات مستوحاة.

لكن تقودني الحيرة إلى أمر آخر لاحظته، وهو أن بعض الحضور في تلك التجمعات يأتي للتباهي أو الترفيه لا للنقاش، وبعضهم يغالي النقد ذماً لمن لا يعجبه من المؤلفين والشعراء، أو مدحاً لمن يعجبه، ما يقلص دور وفاعلية تلك التجمعات كمنصة للحوار واكتساب مهارات جديدة، ما يتطلب تحركاً سريعاً حتى لا تفقد مضمونها وتتحول إلى مجرد مناسبات لتناول العشاء.

لا ننكر أن ظاهرة التجمعات تبدو حضارية لكن ليست جميعها، فبعضها يفوح منه الكمال الظاهر، وعلى المؤلف أن يحذر ويختار الأهم منها كي لا ينزلق في أمسية ملفوفة بعباءة الأدب، وعليه ألا يغفل أن العلاقة بين المؤلف والقارئ ليست استهلاكية، بقدر ما هي علاقة أصيلة لا تتعدى الكتاب وقراءته، أما اللقاء به والحديث لإرغامه على إقناعهم بتحليله أحداث ما كتب، فما هذا سوى استنزاف وربما انزلاق لك أيها المؤلف العزيز.

لقد قالها الأديب طه حسين لأدباء كبار ملؤوا عالمنا يوماً كنجيب محفوظ ومحمود أمين العالم وعبد الرحمن بدوي: «إن شئتم الإنتاج الخلاق، فلا تنشغلوا بالتجمعات وإن كانت جيدة وجميلة…»، بالطبع مع استثنائنا للجادين من الكبار عملاً، المندفعين منهم في حياة منتجة، يفكرون ويقرؤون، ويتابعون نصوصهم في خصوصية عالية، يظفرون بالوقت، ولا يستعجلون النجاح.

وأخيراً نخشى أن بعض هذه التجمعات من النوع الذي يخوض اللعبة الأدبية الصاخبة المدفوعة بالإطراء المزيف، وبميول أرستقراطية تبدو مضيعة للمبدع الجاد الصاعد بكتبه الناجحة وهو يراقب، بأنه ليس بحاجة إلى كل هذه التكتلات، وعليه ألا يغفل أن الكتابة الإبداعية بحاجة إلى مرآة متسعة ودقة تصويرية لمشاهد تكاد لا تنتهي، مع جهد وتأمل طويل لإنشاء هذه التجربة الفكرية، فما حياة المؤلف والمبدع في تلك التجمعات سوى مضيعة للوقت.

المصدر: البيان