سامي الريامي
سامي الريامي
رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم

المبالغة في الفرح والحُزن!

آراء

في كثير من الدول العربية، تقتصر عادات العزاء على أمور معنوية تصب في اتجاه التخفيف عن أهل الفقيد أو الفقيدة، ومواساتهم، ومعظم الدول الإسلامية يُقام العزاء بها في المساجد، ولا تتخلله أي وجبات أو مآدب للغداء والعشاء، فالهدف هُنا السلام والتعبير عن المشاركة المعنوية في هذا الموقف الصعب، وهذا الهدف لا يتطلب المكوث طويلاً في مكان العزاء، بقدر ما يُفضل الإسراع فيه لإعطاء الفرصة لبقية المعزين.

لكن العزاء في الإمارات أخذ منحى آخر، واتجه مثل بقية عاداتنا الاجتماعية نحو المبالغة، والتبذير، وتحميل أهل الميت ما لا يطيقون، ربما بدأت هذه العادة عند بعض الأُسر من ميسوري الحال، لكنها للأسف بدأت تصبح واقعاً ملزماً يتكلف ويتكفل به الجميع، الفقير يقلد الغني، ومتوسط الحال لا يريد الظهور بمظهر أقل من ميسور الحال، حتى لو لجأ فيه البعض إلى الاقتراض، تماماً كما هي الحال في الأعراس والأفراح!

جميعنا ذهبنا إلى خيم العزاء، وجميعنا جلسنا فيها نواسي أهل الفقيد، ونتحدث مع بعضنا بعضاً، لكن من منا فكر يوماً في الإمساك بطبق ليُقطّع من صحن الفاكهة الضخم الموجود على كل طاولة صغيرة؟ شخصياً لم أفعل ذلك، ولم أرَ أحداً يفعل ذلك في جميع خيم العزاء التي ذهبت إليها، والسؤال هو: ما أهمية هذه الصحون الضخمة التي تتغير يومياً طوال فترة العزاء على كل طاولة، وبجانبها الورود الطبيعية أحياناً، وما الذي أقحم الورد في الحزن؟! لا أحد يعرف!

والسؤال ذاته ينطبق على الولائم المتتالية، والمبالغة في قائمة الطعام فيها، غداء وعشاء لمدة ثلاثة أيام، لمن تقام؟ وما الهدف منها؟ وكيف دخلت في خيم العزاء بعد أن كانت مقتصرة فقط على خيم الأعراس؟! ما نعرفه جميعاً أن بيت العزاء غالباً يُترك للعزاء، ويتولى الجيران طبخ الوجبات لأهل الفقيد، وإرساله إليهم، تضامناً معهم في محنتهم، ووقوفاً إلى جانبهم في كربتهم، فكيف تحول الأمر من وجبات لأهل الفقيد إلى ولائم ضخمة يقيمها أهل الفقيد للزوار المعزّين؟!

والمبالغة لازالت تتفاقم، ولم تصل إلى ذروتها بَعْدُ، والقادم قد يكون أسوأ، لقد وصلت تكاليف العزاء في بعض الحالات إلى نصف مليون درهم في ثلاثة أيام، وبعضها من الأقل حظاً 250 ألف درهم، ولو كان هؤلاء لديهم الإمكانية لما تنازلوا عن تلك الخيم الفارهة الفاخرة، ولزاحموا عليها ميسوري الحال، فالمسألة تحولت إلى تفاخر ومزايدة، ومتطلبات العزاء تحولت من الشاي والقهوة إلى كل ما لذ وطاب من فواكه وحلويات ومقبلات وولائم وذبائح لا حصر لها، وليس مهماً عدد الحضور، بقدر ما أصبحت القضية ممارسة سلبية متزايدة!

نُبالغ في مختلف سلوكياتنا وعاداتنا، حتى نفقدها جوهرها، ونحولها بفضل سلوك التباهي إلى ظواهر اجتماعية سلبية، لها مردود سيئ على كل فئات المجتمع، ثم نعود ونصرخ كبّلتنا الديون، والأسعار ترتفع، والراتب لا يكفي، ونطالب الحكومة بالتدخل، في حين أننا وبسبب سلوكياتنا نعتبر سبباً مباشراً في تدهور أوضاعنا المالية، لأننا مبذرون في كل شيء، في الفرح والحُزن، وفي السراء والضراء!

المصدر: الإمارات اليوم