المثقف و«الشرهة»!

آراء

تلفت انتباهي تعليقات بعضهم على أي رأي لا يتماشى مع «موجة» الحكم الجديد في بلدان الربيع العربي؛ فما أن تعبر عن حذرك وقلقك إزاء ما آلت إليه الأوضاع في العالم العربي حتى يقفز من يتهمك بأنك «عميل» للأسر الحاكمة في الخليج أو أنهم «قد أسكتوك بالشرهة»!

هؤلاء -بمجرد الاختلاف معهم في الرؤية أو الرأي- يقفزون لنتيجة قاطعة جازمة لا تقبل أي احتمال آخر: الشرهة! ولأن «الشرهة» متأصلة في ثقافتنا منذ أيام الجاهلية فمن السهل على بعضهم تمريرها وتبريرها وحتى البحث عنها. لكنني أسأل: لماذا الجزم بأن كل صاحب رأي يتقاطع أحياناً مع رأي السلطة في الخليج إنما يغازل به صاحبه شيخاً أو أميراً أملاً في «شرهة»! ولماذا نتهم كل من يختلف مع «الإخوان» في مصر بالانتماء لصفوف «الفلول»؟ وإن كان خليجياً فهو -قطعاً- قابض شرهة؟

يا أخي: أنا فعلاً قلق أن تعود الأوضاع في تونس ومصر إلى أسوأ مما كانت عليه. وأنا منذ ما قبل الربيع أتوجس خيفة من جماعات الإسلام السياسي. وأنا أؤمن بالتعددية والتنوع في الأفكار والمدارس والرؤى، وعلى قناعة كاملة أن العرب يصنعون ديكتاتورياتهم بالتصفيق والتطبيل لكل رئيس جديد. هذا رأيي، وقد كنت وما زلت مع من صفق لشباب التحرير لكنني لم أصفق يوماً لـ«شيبان» الإخوان. أبهذا الرأي أستحق «شرهة»؟

إذا كان الأمر هكذا، يا الله: احسب يا ولد وادفع يا أمير! لكنه طبيعي -في ظل هذا المناخ المتأزم- أن نعيش مرحلة من الفوضى في كل شيء، حتى في تقييم الآراء. مخطئ إن حاولت إرضاء الجميع، لن تستطيع. المهم أن تصدق مع نفسك وتعبر عن رأيك، عن مخاوفك تجاه المستقبل. وهَيِّئْ نفسك، في هكذا بيئة، لكل أنواع التهم وأبسطها: قابض شرهة!

أم أن «الشرهة»على من يلقي لكم بالاً؟

نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٣٤٢) صفحة (٢٤) بتاريخ (١٠-١١-٢٠١٢)