أيمن العريشي
أيمن العريشي
كاتب وأكاديمي سعودي

المحامي الصغير!

آراء

كان الفتى الصغير يجلس مع والديه حول طاولة الطعام في انتظار وجبة الغداء، وفيما يبدو كمحاولة من الوالدَين لتبديد زمن الانتظار ، بادر الأب بسؤال ابنه حول مهنة الغد التي يحلم بها ،كان جواب الابن – الذي لا يتجاوز عمره عشر سنوات على أبعد تقدير- سريعاً و بلا تردد : سأصبح محامياً ، ثم أعقب الإجابة بوصفٍ لمظهر المحامي، لباسَهُ وهيبته ، و وصفاً للمحكمة التي يُفترض أنه سيعمل بها مستقبلاً . كان تشجيع الوالدَين قوياً حين وعدا صغيرهما باصطحابه إلى المحكمة في أقربِ وقتٍ كي يعيش أجواء المكان ويتعرف عليه ويشبع ميوله ويعزز رغباته. ولكم أن تتأملوا معي ، أليس ذلك شعوراً جميلاً حين نُسهم منذ وقتٍ مبكر في توجيه أبنائنا وإرشادهم مهنياً؟ حين نرسم معهم خارطةَ الطريق التي سيتّبعون إحداثياتها كي يبلغوا مرادهم ؟ أليس رائعاً حين يُحدد أبناؤنا طموحاتهم المستقبلية بوضوح تام وإيمان عميق ؟ موسمُ العطلة الصيفية على الأبواب ـ الصيف هو غالباً مفترقُ الطرق ، فيه تقفُ الخيارات أمامنا أو ربما نحن من يقفُ ، نقفُ واضعين كل الاحتمالات الممكنة والمتاحة أمام الأبناء ، في الصيف يحملُ الميزان على كفتيه إيجابيات خياراتهم وسلبياتها. وفيه غالباً نتخذُ معهم القرار الأخير . كونوا قريبين من أبنائكم وبناتكم و ساعدوا في تهيئتهم منذ الآن إن لم يسبق لكم أن فعلتم. والأجملُ حين يكون ذلك منذ وقت مبكر، منذ صيفين أو أكثر بدلاً من تأجيل القرار إلى موسم الصيف الأخير.

ضعوا في الحسبان أن أبناءكم “قد خلقوا لزمان غير زمانكم” ، نحن نعيش في عالمٍ متغير ، تعددت فيه طبيعة المهن و مساحة الفرص ، الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية آخذة في التغير بوتيرة سريعة. والتنافسية في إثبات الوجود آخذة في ازدياد. هذا زمنٌ لا مكان فيه للمترددين ، لا مجال فيه للتقليديين ، ليس فيه موضع قدمٍ للمنتظرين على أمل أن تمطر السماء ذهباً عند عتبات بيوتهم ! ما أصعب أن يجد جيلٌ من الشباب والفتيات أنفسهم غداً في قاعات دراسة لا تتسق مع ميولهم أو مواقع عملٍ لا تشبعُ رغباتهم. ثقوا بأن إحباط أولئك لن يتوقف عندهم بل سيتجاوزهم لينعكس على واقع أُسرهم ومجتمعاتهم.

الإرشادُ المهني وتحديدُ المسار الوظيفي ودراسةُ الخيارات المتاحة هي ضروررات ملحةٌ إذا أردتم أن يحتلّ أبناؤكم وبناتكم مواقعَ تليقُ بهم على سلم النجاح غداً أو بعد غد.

اعقلوها وتوكلوا ، والرازقُ هو الله.

خاص لـ ( الهتلان بوست )