محمد شحرور
محمد شحرور
مفكر إسلامي

المرأة وحقوقها

آراء

خاص لـ هات بوست : 

بعد جهد لعشرين عام ونيف صدر كتابي الأول “الكتاب والقرآن” في عام 1990، ولاقى وما زال هجوماً شديداً من “رجال الدين”، وأقسم بعضهم أن مؤلفيه هم مجموعة من اليهود الصهاينة الذين يريدون تخريب الإسلام من داخله، والذين لم يجدوا طريقة لنشره سوى أن أتبناه وأنشره باسمي، ولا أعرف السبب الذي دعاهم لاختيار دكتور مهندس رغم وجود عشرات الآلاف من خريجي العلم الشرعي، وكنت قد آليت على نفسي ألا أضيع وقتي بالرد، وأن أمضي قدماً واضعاً نصب عيني قوله تعالى {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} (الرعد 17)، لكن ما كان وما زال يلفت انتباهي أن معظم ما قدمته لا يلقى اعتراضاً فجاً إلا حين يقترب من المرأة، إذ يمكن أحياناً التغاضي عن الكثير من الأساسيات التي وجد الناس عليها آباءهم واستمرأوها، طالما أن أحداً لن يجبرهم على تغيير قناعاتهم، لكن ما أن تقترب من موضوع المرأة حتى تثار حفيظة الصامتين، وكل الأمور قد تقبل النقاش ما عدا هذا القالب المصبوب على قياس مجتمعات ذكورية، لا يناسبها انكساره، وفجأة تصبح المرأة هي نصف المجتمع وصلاحه من صلاحها، وتغدو الجوهرة الثمينة التي يجب حفظها كما الحلوى من الذباب، على أن يبقى الذكر هو المسؤول عنها والقيّم عليها، كأي متاع في بيته.

وكي نكون منصفين علينا ألا نغفل أن اضطهاد المرأة هو سمة لمجتمعات عدة، ويتفاوت هذا الاضطهاد بين مجتمع وآخر، ورغم تعاطفي مع حقوق النساء بشكل عام، إلا أني أجد نفسي معنياً بالدفاع عن الإسلام مما ألصق به، حيث تحول إلى شماعة علّق عليها معظم ما تعانيه النساء في بلادنا، فحملت كل عادات مجتمع شبه الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي على أنها أساس فيه، وهو منها براء.

فالإسلام كرسالة خاتم، طبقه الرسول محمد (ص) في دولة المدينة، كأول تفاعل إنساني مجتمعي مع هذه الرسالة، افتتح عصر المساواة، بين الناس جميعاً، لا فرق بين أبيض وأسود ولا سيد وعبد، ولا ذكر وأنثى،وأنهى عصر الذكورة، أي سيطرة الرجل على نواحي الحياة، فجاء خطاب الله إلى عباده بصيغة {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} مؤكداً أن الخلق من الاثنين معاً {يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (الحجرات 13) ولا ضلع أعوج ولا غيره، ولا تحمل “حواء” وزر إغواء آدم ليعصي ربه إلا لدى رواة الحديث (لولا حواء لم تخن أنثى زوجها)، والأنثى في كتاب الله كالذكر في الجزاء،والله تعالى لم يقل أن جهنم أكثرها نساء معلقات من شعورهن وأثدائهن، بل قال {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ—- أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيما}(الأحزاب 35)، أي أنها مكلفة كالذكر تماماً، لا يمكن أن تفسد الصلاة كالحمار والكلب الأسود، وهي ليست متاع، بل زين لها كما زين له حب الشهوات من متاع الدنيا، ورسول الله بايع النسوة بأمر من الله في اعتراف واضح بأهليتهن (الممتحنة 12) وفي خطوة سباقة لم تصلها الإنسانية إلا بعد ما يقارب ألف وثلاثمائة عام.

فإذا عرجنا على الأحوال الشخصية في التنزيل الحكيم وجدنا أن الأنثى ترث ما يرثه الذكر في أغلب الحالات، وأن الزواج ميثاق غليظ قائم على المودة والرحمة في أسمى ما يمكن وصف العلاقة بين الطرفين {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} (البقرة 187)، وأن التعددية الزوجية مشروطة بظروف معينة، هي كون المرأة أرملة ذات أيتام يحتاجون الرعاية، وبموافقة الزوجة الأولى، ووجدنا الطلاق من حق المرأة كما هو من حق الرجل تماماً، ولا طلاق تعسفي ولا بيت طاعة، ولا يحق للرجل إلزامها بالعيش معه إلا إذا كانت حاملاً عند الرغبة بالطلاق، فيكون لرأيه درجة على رأيها، أي أن الدرجة (البقرة 228) ليست مطلقة لكافة الأحوال.

أما القوامة فلا نجتزأ كلام الله ونقرأ {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} (النساء 34) ونسكت، بل علينا متابعة الآية {بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} (النساء 34) فالرجال القوامون هم الأكثر كفاءة من الذكور والإناث، وليست القوامة للذكر مهما كان وضعه وعلى اختلاف مؤهلاته، أما {وَاضْرِبُوهُنّ} فهي في الآية ذاتها، أي خاصة بالقوامة حصرياً، وهي ضرب على القوامة لا على القيمة أو من تحت القوامة، بمعنى سحب هذه القوامة من صاحبتها إذا ما استبدت برأيها، لا بمعنى الصفع والركل ولا الضرب بالمسواك، فلا تتخذوا منها ذريعة لارتكاب ما تشاؤون بدعوى “كلام الله”.

والمفارقة تكمن أن بعض النسوة مرتاحات لوضعهن كمتاع، وهذا يبقى من حقهن ضمن مجتمعات لا تأبه بالتنمية ولا بالتقدم، لكن يجب ألا يتم ذلك باسم الإسلام، فما حدث خلال ألف وأربعمائة عام أن عادات المجتمع أصبحت دين وهي ليست كذلك، والتقول على الله وعلى رسوله ناسب الكثيرين، لكن الواقع بدأ يدحض ادعاءات هذا الموروث الحافل بالترهات، ابتداءً من “ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة” وليس انتهاءً ب “ناقصات عقل ودين”.

وإلى اليوم ما زال كتابي “الكتاب والقرآن” هو أكثر كتبي مبيعاَ، ومع الأسف كتبي كلها ممنوعة في معرض الكتاب في دمشق.