محمد الحمادي
محمد الحمادي
رئيس تحرير صحيفة الرؤية

المرجفون في المدينة… هل ما زالوا فيها؟!

آراء

تعودت الإمارات أن يكون ردها على من ينتقدها ومن يهاجمها بالأفعال لا بالأقوال، سواء كان المنتقد الصحافة الأجنبية التي لم يألوا بعضها جهداً في انتقاد دبي والإمارات وقت الأزمة المالية أو كانوا من الفئة الضالة التي اتبعت أجندات خارجية، وأصبحت تتصيد أخطاء وطنها وتضخمها… أو غيرهم من المنتقدين.

اليوم يحق لدبي وللإمارات أن تفتخر بأنها لم تتجاوز الأزمة المالية العالمية فقط، بل ونجحت في كسب ثقة العالم وفازت باستضافة معرض إكسبو العالمي في عام 2020. لقد كان الفوز بتنظيم المعرض حلماً منذ أشهر، وها هو يتحقق اليوم ويتحول إلى واقع نعيشه، وها نحن نرى «الطيور المغادرة» منذ أعوام تحاول العودة إلى المدينة.
قد يكون من المفيد أن نرجع بالذاكرة أربعة أو خمسة أعوام إلى الوراء عندما عصفت الأزمة المالية بالعالم، وكان للإمارات نصيب من تلك الأزمة، وعندما نعود لتلك الأيام لا يمكن أن ننسى من حاول أن يُصور دبي وكأنها مدينة أشباح خرج منها المقيمون، وأنها أصبحت مدينة مفلسة ومديونة… كنا نسمع ونقرأ ذلك. ومن عاش تلك الفترة في الإمارات كان يشعر بذلك.

عندما توقفت بعض معدات البناء عن العمل، وتوقفت الأبراج عن الارتفاع -لأسباب مالية تخص تلك الشركات المطورة في دبي- وعندما هبطت أسعار العقارات، وهوت أسعار الأسهم، اعتبر البعض أن القصة انتهت، فلم ير المرجفون في المدينة غير تلك المشاهد، التي لم تكن سوى جزء بسيط من صورة أكبر كانت مشعة ومتميزة، وأخذوا ينشرون الإشاعات ويهولون الخسائر!

البعض قرر أن يرحل عن دبي ويتركها تعاني أزمتها، وكثيرون بقوا حباً فيها وإيماناً بهذه المدينة بعد أن وجدوا فيها ما لم يجدوه في كثير من دول العالم التي عملوا بها، بل ربما لم يجدوه في أوطانهم. ولأنهم كانوا عادلين في أحكامهم ومنصفين، فقد كانوا يرون ويشعرون أن هناك من يبالغ في التهويل من الوضع ويزيد.

إصرار البعض على أن ما كان يحدث في دبي مجرد فقاعة، وفرحهم بـ «انفجار فقاعتهم»، لم يدم طويلاً، فقد أكدت دبي أنها مدينة بُنيت على أسس قوية، وأن باني دبي الحديثة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، يمتلك الرؤية الكافية التي تجعله يحول دبي إلى مدينة عالمية بين كبريات مدن العالم، وفي الوقت نفسه، لا ينسى أن يحافظ على أصالتها العربية وعمقها الإسلامي. ومرة أخرى نجحت دبي بفضل إيمانها بنفسها وبأبنائها وبالكفاءات العربية والعالمية التي تحتضنها أن تتجاوز أكبر الأزمات. وبوقوف أبوظبي القوي معها ودعم باقي إمارات الدولة، استطاعت دبي أن تصمد في وجه كل التحديات، وفي الوقت نفسه تجلت الصورة واضحة للعالم بأن هذه الإمارات دولة واحدة تقف إلى جانب بعضها البعض، وتدعم إحداها الأخرى في كل وقت.

وتجلت وحدة البيت الإماراتي وتوحده من خلال توجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، بتسخير كل الإمكانيات للفوز بمعرض إكسبو 2020، والدعم المباشر من الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، من أجل الفوز بهذه الاستضافة، ولولا هذا الدعم لما تحقق هذا الإنجاز الكبير.

كما تجلت روح الفريق في الجهد الجبار الذي بذلته الدبلوماسية الإماراتية بقيادة سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية، وجهد اللجنة العليا لملف إكسبو 2020 برئاسة الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم وفريق العمل المتميز، وأداء الوزيرة ريم الهاشمي التي تألقت في عرض ملف دبي خلال اجتماع لجنة إكسبو. أما الدعم الشعبي والأهلي فلم يشهد له مثيل من قبل، فكل مواطن ومقيم قدم دعمه للملف، كلٌ حسب قدراته وإمكانياته، والإعلام الإماراتي كان واحداً في دعم الملف. لقد أثبت هذا الحدث أن أبناء الإمارات على قلب رجل واحد.

لذا فإنه يمكن اعتبار فوز الإمارات فرصة جديدة لتلك الفئة التي ضلت الطريق، ولأفراد التنظيم السري والمتعاطفين معهم كي يعيدوا النظر في مواقفهم وولاءاتهم وخططهم. فوطن مثل الإمارات يفخر الإنسان أن ينتمي إليه لا أن يعبث به ويسلل الأفكار الدخيلة إليه ويصر على الخروج عن الإجماع الوطني ويختار البقاء تحت عباءة مرشد جماعة مشبوهة، ويقبل بأن يكون أداة طيعة في يد أشخاص اختاروا العمل السري ضد وطنه، ليكون معول تخريب ويرفض كل الدعوات للعودة إلى جادة الصواب وإلى حضن المجتمع، الذي كان جزءاً منه في يوم من الأيام، لقد أخطأ أفراد تلك الفئة خطأ كبيراً في حق أنفسهم وأهلهم ووطنهم فإنجازات الإمارات يراها الجميع في أنحاء العالم ويقدرها واستمرار الجماعة على مواقفها يجعلها تزداد خسارة يوماً بعد يوم. وإذا كانت كل الإنجازات التي تحدث في الإمارات لا يراها أعضاء تلك الجماعة، فلن يروا شيئاً أبداً.

الإمارات تسير برؤية واضحة إلى المستقبل، لا تقلد دولة، ولا تغار من أخرى، ففي الإمارات أولويات وأهداف تسعى إلى تحقيقها بطريقة تناسبها كدولة، ويقبل بها المواطنون. العالم أصبح يدرك أن الإمارات جادة وشفافة وصادقة في التغيير والتطوير. كما أن الإمارات لن تجري وراء تقارير لمنظمات ترى بعين واحدة وتسمع من طرف واحد، ولن تقلد دولاً قامت بثورات تدفع ثمنها غالياً.

إذا أصر البعض على لعب دور «المرجفون في المدينة» وارتداء النظارة السوداء التي لا يرون من خلالها إلا الشيء السيئ فليخرجوا من المدينة وليتركوها لمن يحبها ويؤمن بها، ففي هذا الوطن عمل طويل ليس لإكسبو وإنما لأجيال وأجيال من أجل خير هذا البلد والمنطقة. ولا مكان في هذا العمل للمرجفين ولا المترددين الذين فقدوا الثقة في أنفسهم قبل أن يفقدوها في الآخرين. أما ثقة العالم بالإمارات فإنها تقوى رغم وجود مشوشين عليها، ورغم وجود بعض المتصيدين للأخطاء، والباحثين فقط عنها، وكأن هذا الوضع يبدو طبيعياً ولكن الشجرة المثمرة هي التي ترمى بالحجر لتسقط الثمار على الجميع.

المصدر: صحيفة الاتحاد