ريم الكمالي
ريم الكمالي
كاتبة في صحيفة البيان

المسؤولية الثقافية

آراء

الأدب لغة العالم، وإن اختلفت اللغات وتباينت اشتغالاتها شعراً ورواية وقصة، اشتغالات تستقي روحها من صدق المشاعر ونبلها، من أمانة الرسالة التي تنطق بها ورقيها وسمو هدفها الإنساني، ومن كل ما يمتُّ بصِلة للجمال بتجلياته المختلفة.

نعم هو الأدب.. ترجمان القلوب الذي يقوّمنا بعد انحناء، ويكتبنا بعد انمحاء، ويطهّرنا مما يشوب أرواحَنا من هوس المادة وصخبها اللامتناهي، به نبصر المخبوء خلف سماوات قلوبنا الطافحة بالمعاني، به يعود المرءُ إلى صوابه بعد سفره في متن كتاب فيه من عبق المعنى ما فيه! فيا له من فعل راقٍ، وَيَا له طير يحلّ بنا في فضاءات ليس ثمة أجمل منها.

ومن بوابة الأدب ندخل دنيا الأديب الذي هو نسيجٌ وحده، بتناقضاته، بجنونه وتعقّله، بتمرّده المحمود لأنه تمردٌ معرفي، لا هتك فيه أو جرح، وإن وجدنا مبدعاً عبّر ونَقَدَ فتعبيره مصقولٌ ورزين.. فما الذي يعنينا حقاً سوى الصدق؟ الصدق الذي يقوم عليه أدب الأديب ذاته، وهي مزيّةٌ لها دورها الفاعل في وصول المادة الأدبية المترجمة بكل ما فيها من مشاعر وأحاسيس إلى الآخر، ذلك أن الصدق مادة الروح التي تشترك فيها الإنسانية جمعاء متجاوزة حدود اللون والقومية والدين والانتماء.

في تاريخ الإمارات البعيد وقبل أن تنعم إماراتنا بمنجز الاتحاد العظيم وتتشكل باقة زهر واحدة يمتد عبقها حتى أقصى ما في القلوب من محبة؛ كان ثمة ملاح عظيم وعاشق للبحر والإبحار انبثق نجماً بشّرتْ به إمارة رأس الخيمة، ذاك هو الملاح المخترع أحمد بن ماجد الذي سطّرَ علوم البحر في معظم مخطوطاته في أراجيز.. وهي شبه قصائد موسيقية.. بهدف إيصال فوائد البحر للقلوب قبل العقول.

عناوين ورموز إبداعية كثيرة في العالم واصلت إبداعها لتوافر المسؤولية الثقافية التي تعهدتهم بشكل لائق، تلك المسؤولية التي نتلمسها اليوم بالشركات الخاصة الضخمة التي يُرجى منها الكثير خدمة للدولة ومثقفيها.

ويقيناً إن في هذه الشركات من الفطنة ما يجعلها حريصة على تاريخها؛ لذا يعمل القائمون عليها على ترسيخ أسمائها عبر خدمة المجتمع في مجالات مختلفة، كالطب وتأهيل الأطفال وذوي الإعاقة، والبيئة، والبناء المعماري، والتعليم.

لكن أليس من الإيجابية أن يكون للكتاب والشعراء والرسامين وجميع الخلاقين والمبتكرين نصيب أيضاً في احتوائهم، وهم مادة إنسانية لا غنى عنها.

الشركات التجارية الكبرى لابد أن يكون لها دور في تطوير الحياة الثقافية، فهي مسؤولية مشرِّفة تصب في خدمة البلاد لإبراز الحضور المشرّف لبنيها، كما فعلت شركة طيران الإمارات الغنية عن التعريف التي نأمل أن تحذو الشركات الكبرى حذوها في تبنّيها الفعل الثقافي، فقد حققت سبقاً عالمياً في تبنّي مهرجان للآداب، ضم مبدعين عالميين اجتمعوا في أجواء ثقافية رفيعة بدورتها الثامنة التي اختتمت أخيراً، عنوانها مهرجان طيران الإمارات للآداب، عنوان سامٍ اجتمع الكل تحت سقفه المرصّع بالدهشة.. إنها المسؤولية الثقافية.

فطوبى لهذه الشركة العملاقة بأن تبنت مشروعاً إبداعياً عظيماً، وأطلقت كل هذه الفعاليات في مهرجان ضخم عبر عن كل فرد محب للمعرفة والخير والثقافة والسلام مهما كان انتماؤه في أرض الإمارات العالمية بحبها، حيث الكلمة في عصرها الأجمل، والأدب في شكله الأمثل، والمعاني في زيّها الأكمل.

المصدر: الإمارات اليوم