المصالح لا تقبل القسمة

آراء

أيهما يسبق الآخر العربة أم الحصان؟ مصالح الوطن أم الفكرة الأيدلوجية؟ المزايدات بين التيارات والمدارس الفكرية لن تتوقف، يقول أحدهم: الدول المستقلة بقرارها والساعية لتحقيق مصالحها الوطنية، لا تقبل أن تستمد شرعيتها من أشخاص يحملون توجهات أيدلوجية، فشرعية الدولة وقوة مؤسساتها تضعف متى وُضع بينها وبين شعبها وسيط

يحفل التاريخ بقصص انهيار الدول ذات الأيدلوجية الحزبية الواحدة، التي صنعت الفراغ بين الحاكم والمحكوم، ومثال ذلك حزب البعث، حيث رُبط بين الولاء للوطن والإيمان بمعتقدات الحزب، واشترطت العضوية في الحزب كمهر صداق بين الدولة وأفرادها، ومثال آخر من الثورة الإيرانية، فالسنوات التي سبقت 1979 شهدت تطوير رجال الدين قدراتهم على التعبئة الشعبية بدرجة تفوق قدرة الدولة، ثم سُيس المذهب الشيعي ليملك رجال الدين السلطة المطلقة.

أما في الجزيرة العربية، فمازلنا نذكر حادثة جهيمان الإرهابية، التي أرادت أن تنسل الأمة من وطنيتها بادعائها ظهور المهدي المنتظر، نعم الحادثة انتهت لكن السؤال هنا: كيف ستتعامل الدول الدينية لو تكرر الادعاء بظهور المهدي بصورة أكثر تطوراً؟ وهل سيكون هناك جدوى من توظيف الدين لضمان الولاء للوطن وقيادته؟

في المقابل؛ لا ينتظر القائمون على حفظ المصالح العليا للدولة رأي الاخرين فيهم، لأنه من البداهة أن تكون في ممارسات الإضلال والإفساد إضرار للمصالح العليا ومسوغ لضربها بالقانون، ومن عدالة الدولة ألا تنسب هذا الإفساد إلى توجه أو تيار بعينه، حتى وإن حملت تلك التوجهات والتيارات شعارات دينية على شاكلة “الدواعش”، وبالتالي فالمصالح العليا للوطن هي المظلة الواحدة التي تجمع الكل، وتحفظ الحريات وتصون المعتقدات والأفكار، وإذا سقطت تضرر الدين وضاع العرض وسلب المال، ويكفي دليلاً ما نراه في دول الربيع العربي.

إعادة طرح مفهوم العلاقة بين الأفكار والمعتقدات الشخصية والانتماء الوطني سيقودنا إلى طريق أكثر أماناً، فالوطن هو الحصان والعربة اللذان يحملان أفراد الشعب بمعتقداتهم وثقافتهم نحو بر الأمان، والولاء لسلطة الدولة ومن يمثلها من شخصيات اعتبارية يوحد الأفراد، ومن جانب آخر لا يعتبر مجرد الدعوات والأماني دليلاً على صدق الولاء، فإظهار حب الوطن وإعلان هذا الإحساس السامي هو من باب التعلق بالمحبوب، وهو من أصدق غرائز النفس وشهواتها، وأما الولاء الحقيقي فيقاس بالمساهمة الفعلية للفرد في خدمة مصالح دولته.

المصدر: صحيفة الإمارات اليوم