المطبخ العربي الأصيل

آراء

لا أظن بل أجزم أن أفقر مطبخ بين شعوب الأرض، هو مطبخ عرب الصحراء، وهم عبر تاريخهم تعرضوا للمجاعات أكثر من أي شعب آخر، ولم تتفتح عيونهم وبطونهم على المآكل وتصانيفها، إلا بعد أن خرجوا من الجزيرة العربية، واختلطوا بشعوب الأنهار والثمار، وقد يعيش الواحد منهم من المهد إلى اللحد وهو جائع لم يشعر بالشبع يومًا.

اللحم لا يأكلونه إلا (بالسنة حسنة)، وإذا تبقى منه شيء جعلوه (قديدًا)، ولم يرفدهم أو ينقذهم في حياتهم غير (عمتهم) النخلة، و(خالتهم) الناقة، ولولاهما لذهبوا.

ولا بأس أن ألقي الضوء أمام أبصاركم على مآكلهم لتتيقنوا عن مقدار (الترف) الذي تقلبوا بين جنباته، ومن أشهرها:

1- (الربيكة)، وهو: البر مع التمر. 2- (البسيسة)، وهي: الشعير يخلط بالزيت أو السمن. 3- (العبينة)، وهي: جراد يقلى بالسمن. 4- (البكيلة)، وهي: دقيق يبل بالماء، ويقال بكلته بكلاً. 5- (المضيرة)، وهي: الدقيق مع السمن إلى أن يجف، وإذا لم يتوفر فالماء يكفي ثم يقرضونه طوال العام قرضًا. 6- (الرغيدة)، وهي: الحليب المغلي ثم يذر عليه الدقيق حتى يختلط ثم يلعق لعقًا. 7- (الحريرة)، وهي: الحساء من السمن والدقيق. 8- (العكيس) وهو: الدقيق يصب عليه الماء ثم يشرب. 9- (السويق)، وهو: الشعير عندما يطحن ويوضع بالجراب، وهو طعام المسافر، والعجلان، والحزين، والنفساء، وهم يسفونه سفًا، وأنا في هذا اليوم بالذات أسف الكثير من السويق، لأنني حزين فعلاً، وحالي يصعب حتى على الكافر، ولولا أن دموعي عزيزة (لدنيتها) الآن بكوه.

ورسولنا عليه أفضل الصلاة والسلام، كثيرًا ما ربط الحجارة على بطنه من شدة الجوع، وهو القائل: «أكرموا الخبز، فإن الله سخر له السماوات والأرض، وكلوا سقط المائدة».

وتخيلوا لو أن عرب الجزيرة اليوم اقتصر طعامهم على تلك الأصناف الشهية الآنفة الذكر ولو لعام واحد، فهل يصمدون؟!

وعندما بدأت الفتوحات وتنفس القوم الصعداء، اصطفى (الحسن) رضي الله عنه أكلة (الفالوذج)، وعندما تعجب البعض منه قال: إنه لباب البر مخلوط بلعاب النحل وصافي السمن.

وحينما انغمسوا بالترف أكثر، أصبحت الأكلة المفضلة عند (معاوية) رضي الله عنه هي: مخ العصافير، محشوة بمصارين البط، ومقلية بزيت اللوز (!!).

وإلى وقت قريب كان الأب ينصح ابنه قائلاً: «كل أكل الجمال، وقم مع أول الرجال»، لهذا هم دائمًا في سباق مع الزمن، وينهشون اللحم نهشًا.

وها هو شاعرهم يقول عن هذه الفئة:

«لا مرحبًا بوجوه القوم إذا نزلوا

دسم العمائم تحبكها الشياطين

ألقيت جلتنا الشهريز بينهم

كأن أظفارهم فيها سكاكين» – انتهى. 

وسلامتكم.

المصدر: الشرق الأوسط