المواطن والمشاركة السياسية

آراء

كنتُ أتابع بترقبٍ شديد كيف يمكن لمشاركة الشعب في التصويت أن تؤثر على بعض القرارات السياسية المهمة التي سيتم اتخاذها هذا العام. في يونيو الماضي، تم في المملكة المتحدة استفتاء على عضويتها في الاتحاد الأوروبي، ونشهد في هذه الأيام المراحل الأخيرة من الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية، وفي وزارة الدولة لشؤون المجلس الوطني الاتحادي، نعمل على تعزيز ثقافة المشاركة السياسية في دولة الإمارات العربية المتحدة، ونحرص دائماً على الاطلاع على تجارب الآخرين في هذا المجال والاستفادة منها في تجربتنا الوطنية.

لم يتوقع الكثيرون أن يتم التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وقد كنت أتحدث مع صديقة بريطانية هنا في أبوظبي مؤخراً، أخبرتني أنها لم تكن تتوقع حصول هذه النتيجة، ولا حتى بعد «مليون عام»، وذلك استناداً لما كانت تقرؤه على مواقع التواصل الاجتماعي. لقد كان إقبال البريطانيين على الاستفتاء كبيراً، وكانت النتائج النهائية متقاربة إلى حد كبير بين الرفض والقبول، وهذا يعني أن الصوت الواحد قد كان له تأثير حقيقي على نتيجة التصويت، وفي الانتخابات الأميركية، ثمة تصويت مشابه لمرشحين يقفان على طرفي نقيض من حيث القيم والآراء والأجندات السياسية التي يحملانها، وسينتهي الأمر بأحدهما إلى البيت الأبيض. لذا، فإن لمشاركة أفراد الشعب في الإدلاء بأصواتهم أهمية قيمة تساهم في تقرير ما يرونه الأفضل، وعدم ترك الأمور للصدفة، وبعد أن شاهدت مناظرة مرشحي الرئاسة الأميركية الثالثة والأخيرة، كل ما رأيته كان عبارة عن مجموعة من المشاحنات، والهجوم المتبادل، وفتح الملفات القديمة. في حين أن الشعب الأميركي وربما المشاهدين حول العالم كانوا ينتظرون أن يسمعوا رؤية واضحة عن المستقبل من رئيس أميركا المقبل!

هذه النتيجة قادتني إلى سؤال مهم: من الذي يحدد هذا المستقبل؟ نتائج الـBrexit تطرح السؤال نفسه، خاصة عند النظر إلى الفئة الأكبر من المشاركين في التصويت. ومن وجهة نظري، أرى أن مشاركة الشباب الواعي في مثل هذه القضايا المستقبلية مهم جداً. في دولة الإمارات، لدينا فئة من الشباب ممن يملكون حماساً كبيراً وأفكاراً مبدعة وقدرات هائلة تجعلنا نشعر أن مستقبل الدولة سيكون في أيد أمينة لما يحمله الجيل القادم من أفكار.

وقد برهنت الحلقة الشبابية المعنونة بـ«التكامل بين الحكومة والمجلس الوطني الاتحادي» التي عقدت مؤخراً في أبوظبي على ما يمكن للشباب إنجازه عندما تتاح لهم الفرصة، فقد كان المشاركون متحمسين لاكتشاف التحديات، ليس ذلك فحسب، بل قادرين على اقتراح حلول لها.

إن عملية المشاركة السياسية في دولة الإمارات العربية المتحدة تتم بشكل مدروس وتدريجي. لا سيما أن دولتنا لا تزال فتية ولم تكمل 45 عاماً منذ تأسيسها وحتى اليوم. في عام 2005، مكّن صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، المواطنين من المشاركة السياسية من خلال المجلس الوطني الاتحادي، وهو امتداد لجهود قيادتنا في الحفاظ على قيم الاتحاد ومواكبة التطور. وفي عام 2006، تم اعتماد مبدأ التصويت لانتخاب نصف أعضاء المجلس الوطني الاتحادي البالغ عددهم 40 عضواً في حين تم تعيين الـ20 عضواً الآخرين.

وقد سجلت نسبة الإقبال على التصويت زيادة مطردة في كل استفتاء يتم إجراؤه، وذلك تماشياً مع التزام دولتنا بتوسيع المشاركة السياسية، وقد شارك نحو 225 ألفاً من المواطنين ممن يحق لهم التصويت في انتخابات العام الماضي، وما يدعو للفخر أن 48 في المئة من الناخبين كانوا من فئة النساء، وأن 67 في المئة من النساء اللواتي شاركن في عملية الاقتراع كن تحت سن الـ40.

جرى التصويت إلكترونياً، وهو أسلوب يستخدم للمرة الأولى في منطقة الخليج، كما تم السماح للموجودين خارج الدولة بممارسة حقهم الانتخابي للمرة الأولى أيضاً. وفي العام نفسه، تم انتخاب الدكتورة أمل عبدالله القبيسي كأول امرأة تترأس المجلس الوطني الاتحادي، في إنجاز يحسب لدولة الإمارات ويشكل سابقة تاريخية في المنطقة.

ومما سبق نرى أن ما تحقق خلال عشر سنوات فقط في إطار جهود دولتنا لتعزيز المشاركة السياسية يعد أمراً جيداً جداً، ولكن لا يزال أمامنا الكثير لإنجازه في هذا المجال بالاعتماد على شبابنا الواعد الذي نتطلع إلى رفع مستوى وعيه لكي يكون فاعلاً في مجتمعه، وهو أمر تعمل على تعزيزه قيادة دولة الإمارات من خلال تشجيع الناس على الإدلاء بآرائهم وتقديم مقترحاتهم، فقد سبق لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي (رعاه الله) أن طرح عصفاً ذهنياً على موقع «تويتر» لاقتراح حلول إبداعية لتطوير قطاعي الصحة والتعليم في الدولة، وشهدت المبادرة تفاعلاً شعبياً كبيراً مع أكثر من 50 ألف مشارك، وأكثر من 80 ألف مقترح وفكرة.

كما أطلقت وزيرة الدولة للشباب شما المزروعي، مبادرة «حلقات شبابية»، والتي تهدف من خلالها إلى محاورة الشباب دون سن الثلاثين والاستماع إلى أفكارهم ومقترحاتهم وتطوير قدراتهم وصقل مهاراتهم ليكونوا قادة المستقبل. ومع مواصلة رحلتنا نحو تحقيق أهدافنا، علينا أن نتابع تجارب الدول الأخرى، وأن نتعلّم من أولئك الذين سبقونا في هذه التجربة بسنوات ومراحل.

خلاصة القول أن أياً كان النظام السياسي أو القوانين التي يخضع لها الفرد، فإن عليه اغتنام فرصة المشاركة والإدلاء برأيه بطريقة واعية وموضوعية متى سمحت له الظروف بذلك، فلا يسمح لشخص آخر أن يحدد له آفاقاً لمستقبل وطنه. إن المسؤولية تحتم على الفرد الإدلاء بصوته أياً كان عمره أو جنسه أو توجهاته، فهي مسؤولية الفرد تجاه وطنه ومستقبله.

المصدر: الإتحاد