علي الظفيري
علي الظفيري
كاتب وإعلامي سعودي، وُلد في دولة الكويت في 19 أكتوبر 1975. حصل على بكالوريوس علم نفس تربوي من كلية التربية في جامعة الكويت عام 1997، ثم دبلوم إعلام من جامعة الملك سعود في الرياض عام 1999. عمل في جريدة الوطن السعودية في الفترة من 2002 إلى 2004، وإذاعة وتلفزيون المملكة العربية السعودية ما بين عامي 2000 و2004. يعمل حالياً كمذيع ومقدم برامج سياسية في قناة الجزيرة القطرية.

النسخة الرابعة

آراء

برزت مؤخرا حالة شعبية سعودية داعمة للاحتجاجات التي شهدتها بعض البلدان العربية ضد الاستبداد والطغيان، وتكشف الشبكات الاجتماعية – المنبر الوحيد الذي يسمح بحرية التعبير الكاملة – عن هذه التوجهات، ومع اتساع جغرافيا الثورات العربية، ثارت التساؤلات حول احتمالية تأثر البلدان الخليجية برياح التغيير التي تهب على المنطقة، وجاءت الإجابة سريعة في البحرين ومن ثم عُمان التي لم تحظ احتجاجاتها الشعبية بالاهتمام الكافي، أما الكويت فالأمر فيها مختلف تماما، لأن الحراك الشعبي هناك سابق للثورات العربية، وكان شعار “ارحل” الشهير قد استخدمه الشباب الكويتي لأول مرة في ساحة الإرادة ضد رئيس الوزراء ناصر المحمد الصباح.

هل هناك احتمالية لاحتجاجات واسعة في السعودية؟ هذا السؤال لقي اهتماما كبيرا من قبل المتابعين في الساحتين العربية والدولية، لوجود انتقادات شعبية واضحة في بعض القضايا، ولقابلية التعميم في الحالة العربية من جهة أخرى، ومثل هذا التساؤل سبق وأن أثير مطلع الخمسينيات مع موجة حركات التحرر الوطنية في العالم العربي، وبما أن المقال السابق في الموقع فصّل في بعض مواطن الخلل، سيهتم هذا المقال بعوامل القوة في بلد كالسعودية، وسينطلق من فرضية يعتقد بها الكاتب مفادها أن مطالب الإصلاح والتغيير نحو الأفضل عند فئات عريضة من الشباب السعودي، لا تعني بأي شكل من الأشكال الحديث عن ثورة مماثلة لما حدث في بعض الدول العربية، لا من حيث الشكل أو المضمون.

هل تذكرون الدولة السعودية الأولى؟ حين استطاع التحالف بقيادة محمد بن سعود تأسيس دولة قوية امتدت من جنوب شبه الجزيرة العربية إلى شمالها؟ ألا يمثل هذا الحدث قبل قرنين ونصف من الزمن إلهاماً لأحد؟ وحيث لم تنجح المحاولة الأولى ولم تدم طويلا بسبب التدخل العسكري لجيوش محمد علي بقيادة إبراهيم باشا وقضائها على المشروع، بحجة مواجهة التطرف الوهابي ومنع قيام كيان قوي في أطراف دولة الخلافة، إلا أن الأحلام قد غرست في تراب نجد، الدماء التي تشربتها الأرض في الدرعية وغيرها دفعت باتجاه المحاولة مرة أخرى، لكن الدولة السعودية الثانية لم تعمر طويلا، ليسجل التاريخ مطلع القرن العشرين موعدا لقيام الدولة السعودية في نسختها الثالثة، كل شيء كان قد تغير في المنطقة، ووُلِدت المملكة الحديثة من رحم النزاعات الكبرى بين القوى المتصارعة في بلادنا، وجد المهمشون في جزيرة العرب ضالتهم أخيرا في دولة جامعة مانعة قادتها الأسرة السعودية في المحاولات الثلاث، ما يعني أن مشروع الدولة مرتبط بمشروع الأسرة في الحكم ولا يمكن الفصل بينهما، ويأخذنا هذا لاستنتاج يغيب عن البعض من أهل السياسة والصحافة، هذه الدولة تمثل حلم الجميع باختلاف أطيافهم، وليست دولة فئة محددة من الناس تشعر أن التماس “المنفعي” بينها وبين مشروع الدولة أكبر من الآخرين!، وتحاول عبر اتهام الآخرين خلق صورة مزيفة ومضللة للواقع والأفراد والتيارات، إن مشروعية الحكم في السعودية لا مساس بها من قريب أو بعيد، ولا غبار عليها ولا نقاش حولها على الإطلاق، فلماذا الخوف والهلع والاستبداد والضغط على الآخرين بغرض إظهار الولاء والانتماء!.

ماذا لدينا في السعودية بخلاف مشروعية الحكم وعمقه التاريخي، ووجود من يلتف من الناس بكل قوة حول الحكم ويدافع عنه إن لزم الأمر، ليس ضد إيران فقط وملاحقها السياسية في المنطقة، بل ضد كل من يشكل خطرا على استقرار البلاد وأمن العباد، لدينا أيضا ثروة نفطية تعود بما يكفي من الأموال ويزيد، نستطيع معها لو أردنا إتمام عملية البناء التنموي على أحسن وجه، والانطلاق بكل قوة نحو مشروع الدولة القوية المتطورة الناهضة، فضلا عن الطاقات الشبابية التي لا تقدر بثمن، هناك قرابة مائة ألف شاب سعودي مبتعث للدراسة في الخارج، هل ندرك ما معنى هذا بالضبط؟ ما معنى وجود هذا الرقم الكبير من المتعلمين في بلد يشكل الشباب دون الخامسة والثلاثين معظم سكانه، البلد الخليجي الوحيد الذي لديه وفرة كبيرة من الأطباء والمهندسين والمعلمين والتقنيين وغير ذلك، لدينا حكم مستقر إذا، وطاقات واعدة، وأموال وفيرة، ولدينا أيضا مكة المكرمة والمدينة!.

معنى هذا كله أن السعودية اليوم أشبه بمركبة مجهزة بأحدث التقنيات وممتلئة تماما بالوقود اللازم للحركة المطلوبة، ينقصها فقط أن تنطلق وبأقصى قوة، وهذا ما يتطلب عملية إصلاح داخلية جدية تزيل المترهل من الشحوم وجبال المنتفعين المحيطة بمراكز صناعة القرار، وأن ندرك جميعا التحولات الحاصلة في المجتمع والمحيط الخارجي، وأن الشراكة لا تنقص من الهيبة والسلطة بل تزيدها وإن سلبتها بعض الصلاحيات وقللت من القدرة على الانتفاع بلا حدود، الأوزان الزائدة حين نتخلص منها تعطينا عمرا أطول وصحة أفضل، وهذه العملية الشاقة بمرحلتها الأولى تكون نتائجها مبهرة في المراحل المتأخرة، لكنها تحتاج إلى إيمان قوي وقراءة واعية للمستقبل وتخطيط سليم وإدارة جيدة وحكيمة.

الأمر برمته أشبه بثورة من نوع آخر يقودها الحكم بنفسه، مراجعة أولية وطويلة وجادة وقاسية ونقدية ستصل بنا إلى نتيجة قريبة من هذا المطلب، شرط عدم المكابرة وإطلاق مقولات الاختلاف والخصوصية، فهذا غير مفيد وجُرب أكثر من مرة، فهل يجد هذا المشروع من يتصدى له، من يقول في قرارة نفسه إن الدولة السعودية حان لها أن توجد النسخة الرابعة من تلقاء نفسها، أن تختار بكامل إرادتها نزع رداء المرحلة السابقة وخوض غمار المستقبل بوعي كامل ودون استهداف خارجي هذه المرة، هذا ما ننتظره جميعا ونعمل عليه ونصلي من أجله.

خاص بموقع “المقال”