محمد فاضل العبيدلي
محمد فاضل العبيدلي
عمل محرراً في قسم الشؤون المحلية بصحيفة "أخبار الخليج" البحرينية، ثم محرراً في قسم الديسك ومحرراً للشؤون الخارجية مسؤولاً عن التغطيات الخارجية. وأصبح رئيساً لقسم الشؤون المحلية، ثم رئيساً لقسم الشؤون العربية والدولية ثم نائباً لمدير التحرير في صحيفة "الايام" البحرينية، ثم إنتقل للعمل مراسلاً لوكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب) كما عمل محرراً في لوموند ديبلوماتيك النشرة العربية.

الوحدة الفلسطينية تستحق أكثر

آراء

من تلك السنوات السوداء للحرب الأهلية اللبنانية، ثمة قصة تظهر لنا المعدن الحقيقي لرجل الدولة. فمع تقسيم بيروت، كان القسم الغربي من المدينة يغرق في ظلام دامس في ظل وجود محطات الكهرباء في القسم الشرقي منها، هكذا كان على سكان بيروت الغربية أن يعيشوا في الظلام والانقطاع المتكرر للكهرباء.

ومن قلب الظلمات، اعتقد المواطن العادي بل وحتى بعض الساسة أن الحل يكمن في بناء محطات كهرباء في بيروت الغربية، وهكذا بدأت الأصوات تتعالى بهذا الطلب، بل إن بعض الساسة اللبنانيين بدأوا يضغطون على رئيس الوزراء في ذلك الوقت الدكتور سليم الحص لبناء مثل هذه المحطات.

ظاهرياً، يبدو المطلب مشروعاً ومنطقياً يمكن أن يسهم في إنهاء معاناة سكان بيروت الغربية، مع هذا فإن “الحص” رفض القيام بذلك بإصرار برغم تهديد بعض وزراء حكومته له باستهداف حياته. لقد قال الرجل إنه إذا بنينا محطات في بيروت الغربية فإننا سنكرس تقسيم المدينة.

كان ذاك في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، في وقت لم يكن فيه لا “الحص” ولا أي مواطن لبناني يجرؤ على التفكير بأن بيروت ستعود مدينة موحدة وأن الحرب الأهلية ستنتهي. فما الذي كان يحرك “الحص” لرفض القيام بخطوة كانت ستجلب له الشعبية وتصفيق الجمهور؟ أي إيمان هذا الذي دفعه لرفض ما بدا أنه مطلب مشروع في نظر الغالبية من الناس؟

منذ العام 2007، فإن الأرض الفلسطينية أصبحت مقسمة بين فصيلين فلسطينيين متنافسين، قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة “حماس” والضفة الغربية التي تسيطر عليها حركة “فتح”. لن أقول أبداً إن هذا الجزء أفضل من ذاك أو أن هذا يستحق المساعدة والدعم دون الآخر. قطاع غزة الواقع تحت حصار إسرائيلي منذ العام 2007 يستحق كل الدعم والمساندة وهذا الحصار الوحشي يجب أن ينتهي، لكن لكي يحدث ذلك، فإن الكثير قد يفكرون بالطريقة نفسها التي فكر فيه بعض اللبنانيين الذين أرادوا حل مشكلة الكهرباء في بيروت الغربية بحل يكرس تقسيم عاصمتهم.

إن زيارة أمير قطر لقطاع غزة قبل نحو أسبوعين تذكرنا تماماً بقصة الكهرباء تلك في بيروت الغربية في سنوات الحرب الأهلية اللبنانية السوداء تلك. عدا شاحنات المساعدات التي تدفقت عبر الحدود المصرية – الفلسطينية أثناء الزيارة والإعلان عن مساعدات بقيمة 400 مليون دولار لغزة، فإن أمير قطر دعا كل من السلطة الفلسطينية وحركة حماس للعمل من أجل الوحدة.

بالنسبة لي ولآخرين كثر، فإن السؤال المنطقي قد يكون: لماذا لم يتابع أمير قطر مبادرته ويزور رام الله للقاء الرئيس محمود عباس؟ على الأقل كان من شأن خطوة كهذه أن تكمل الهدفين المعلنين للزيارة، دعم غزة (المحاصرة) وتأكيد الدعم للوحدة الفلسطينية.

لقد خرجت تقارير وتسريبات إعلامية حول مسألة اللقاء مع الرئيس عباس تقول بأنه كان من المفترض أن يلتقي الرئيس بأمير قطر في الساعات الأولى لزيارته لغزة لكنه تراجع في اللحظات الأخيرة تحت ضغط القيادات الفلسطينية في الضفة. حسناً، لا يهم إن كانت هذه التسريبات صحيحة أم لا، فبالنسبة لي تبدو هذه الرواية مثل الزلة التي تثبت أن السؤال حول اللقاء المنتظر بين الرئيس وأمير قطر، سؤال منطقي بكل تأكيد.

إن هذا بالضبط ما يجعل المخاوف حول تكريس الانقسام الفلسطيني حقيقية. إن سكان غزة يستحقون كل الدعم لكن الوحدة الفلسطينية تستحق أكثر لأنها هي المفتاح لتقوية وتحصين موقف الفلسطينيين في نضالهم ضد إسرائيل بكل المعاني.
إن دعم الفلسطينيين يجب أن لا يتم تفصيله بناء على الانقسام الفلسطيني، فالفلسطينيون في غزة يستحقون كل الدعم والمساندة تماماً مثل الفلسطينيين في الضفة الغربية، والنوايا الحسنة قد تقود أحيانا إلى تبعات غير مرغوبة خصوصا في السياسة وفي صراع شرس مثل الصراع العربي – الإسرائيلي.

ما تبقى الآن بعد الزيارة (منذ 2007 في الحقيقة) فقط هو استعادة لتلك القصة الفلسطينية المدمرة حول “النضال والخيانة”، “حماس المقاتلة وفتح المهادنة”. أي إننا أمام نسخة مشوهة من فصول قديمة في التاريخ الطويل للنضال الفلسطيني. تذكروا فقط الراحل ياسر عرفات وقصته الطويلة مع الزعماء والفصائل الفلسطينية الأخرى. ففي حياته كان كل ما يناله هو القذف وتشويه السمعة، لكن عندما رحل فإنهم لا يتذكرونه (حتى قادة حماس) إلا بالوصف الجليل “الشهيد”.

ومع تأخر الوحدة الفلسطينية المرتقبة، والبهجة التي يشعر بها قادة حماس حيال الأجواء في بلدان مثل مصر وتونس، ومع تكرار قادة هذين البلدين الحديث عن دعم غزة فقط، فإن المرء يتمنى ألا يستغل قادة حماس معاناة سكان القطاع لترسيخ حكمهم وتجاهل المهمة الأكبر وهي الوحدة الفلسطينية. إذا ما سقطوا في هذا الفخ، فإنهم لن يفعلوا سوى تكريس الانقسام الفلسطيني، تماماً بمثل تلك الطريقة التي تفاداها سليم الحص في لبنان قبل عقود مضت.

(مترجما عن الجلف نيوز – Gulf News)