مازن العليوي
مازن العليوي
كاتب سوري في صحيفة الرؤية الإماراتية، ويعمل حاليا في مجال إعداد البرامج الحوارية الفضائية ، رئيس قسمي الثقافة والرأي في صحيفة "الوطن" السعودية اعتبارا من عام 2001 ولغاية 2010 ، عضو اتحاد الكتاب العرب (جمعية الشعر)، واتحاد الصحفيين العرب، بكالوريوس في الهندسة الكهربائية والإلكترونية، وبكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، لديه 3 مجموعات شعرية مطبوعة

الوطن في وصية أستاذ

آراء

ذات يوم من أيام الصغر أواخر سبعينات القرن العشرين، وقف الفتى على منبر ليلقي قصيدة في أحد المهرجانات، كان أيامها مثل كل الطلاب تعشش في عقله أغراض الشعر التقليدية.. ولأن قصيدته كانت عن “الوطن”.. فقد طلب منه مسؤول في المركز الثقافي بأن يهديها لقائد الوطن.. وببساطةِ طالبٍ في المرحلة الثانوية فعلَ لأنه افترض أن المسؤول “يفهم”، وأيضا لأن المسؤول كان أحد من درسوه في مرحلة سابقة.

لم يكد ينتهي من الإلقاء وينزل حتى جاء مقدم المهرجان وهو من أساتذته آنذاك بعد أن قدم للفقرة التالية، وجلس إلى جانبه ليهمس في أذنه: “لا تعدها مرة ثانية، إن أهديت فليكن إهداؤك لوطنك، الأشخاص إلى زوال.. والوطن يبقى”.

كانت وصية نادرة في ذاك الزمن، ولولا ثقة الأستاذ بطالبه لما جرؤ “أبو عبيدة” على قولها.

لغاية اليوم لم ينسَ الفتى الدرسَ الرائع الذي اختزله “أبو عبيدة” في كلمات معدودة.. وعلى الرغم من أن شخصيته ودروسه من عوامل عشق طالبه الجارف للغة العربية، إلا أن درسه ذاك كان أشدها وقعا في النفس لغاية اليوم..

كم كتب المبدعون عن أوطانهم وكم بثوا شجونهم ونسجوا الأحلام في خيالاتهم بحثا عن وطنٍ يتسع للجميع ويغمر الأطياف كلها بدفئه.. وطن ليس مختطفا من فئة أو مجموعة من الأشخاص.. وطن ينعم أهله بخيراته، ولا تكون خيراته باب رزق لثلة من أقارب “الزعيم” ورجالاته.. وكلما أوغل المبدعون الحقيقيون حبا بوطنهم، ازداد اللصوص نهبا حتى لتخالهم يسابقون الزمن كي يكنزوا أكبر ما يستطيعون، لترتفع أرصدتهم وتكثر أملاكهم، فيما يزداد عدد الفقراء.

على جانب آخر، ثمة كتاب اختزلوا الوطن بشخص “الزعيم”.. فكانت كتاباتهم له وحده. لم يسمع هؤلاء بوصية أبي عبيدة”. ولو سمعوا بها لما طبقوها لأنها تتناقض مع غاياتهم.

كبر الفتى وصار في المرحلة الجامعية، يشارك في الأمسيات والمهرجانات الأدبية، يلقي على المنابر قصائد يتحايل فيها مع بعض شعراء جيله على العقليات الأمنية بالترميز.. سألوه أكثر من مرة: لمَ لا تكتب عن الرئيس؟ ودائما كان يتهرب بدبلوماسية.

لم يعد للترميز مكان في زمن “الحولة” والدم وآلام الوطن، وما أجمل وصية الأستاذ “إسماعيل الخليل”، تلك الوصية التي ما زالت ترافقني أكثر من ثلاثة عقود.

الوطن اونلاين – 2012-05-30