انفتاح التجربة

آراء

هكذا هي الحضارات العظيمة مثل النهر لا تتوقف عند صخرة، بل تتعداها لتصل إلى الحقل. هكذا هي الأمم النبيلة، مثل الوردة، فعطرها لا يميز، ولا يتحيز، بل هو منثور في الأرجاء لتشمه الفراشات من كل مكان. هكذا هي الأفكار الكبيرة لا يسعها حيّز، بل هي الحيّز كله، هي كل الوجوه، وكل الاتجاهات، هي في الوجود مركز الكون.

عندما بزغت الحضارة اليونانية في العصور القديمة، لم تكن أثينية، وإنما وصل فكر الأولين من سقراط إلى أرسطو إلى كل أرجاء أوروبا، ومن ثم العالم لأنها حضارة العالم، واليوم العالم قد لا يرى في اليونان غير هؤلاء الذين صنعوا مجدها، وأضاؤوا سماء الدنيا بالفكر المستنير، والعطاء الذي لم تحده جغرافيا ولا تاريخ.

وعندما يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، إن تجربة الإمارات مفتوحة على العالم، لأن سموه على يقين من أن التجارب الواسعة لا تضيق بالعالم، وإنما تزداد اتساعاً كلما انهمرت أمطارها على مزيد من البقاع.

ولا يستطيع أحد أن يقول، إن تجربة الإمارات، محصورة في مكانها الجغرافي، لأن بلادنا أصبحت اليوم مآلًا لكل الطيور الراغبة في بناء أعشاشها على هذه الأرض أو الاستفادة من التجربة ونقلها إلى أماكن أخرى، فهذه التجربة أصبحت اليوم، مثل الشمس لا تنبئ شعاعها تحت شرشف الغيم، بل تطل من خلال الغيمة لترسم لوحة شفافة على أديم الأرض، وتحيي الزرع والضرع، وينبت العشب عند ضفاف النهر الكبير، نهر الإمارات.

الإمارات المفتوحة على العالم، تمضي قدماً في نشر شراع السفر، وحث السفينة كي تخطو فوق الموجة، وباتجاه الأفق، هناك حيث يكمن الأمل، أمل شعوب العالم أجمع، في التواصل وتأصيل فكرة الانغماس وتأكيد وحدة الوجود، هناك نحن موجودون، في المكان والزمان وقلب الإنسان، الإمارات ليست بلداً، بل هي في القارات الخمس تتلمس وجودها، وتضع بتلات الزهور على كل قارة، إيماناً من القيادة أنه لا يوجد اليوم ما يفصل بين الشعوب غير الجهل، وعندما يختفي الجهل، يصبح العالم كأسماك البحر، والكرة الأرضية محيطاً يتسع كل الكائنات، ويمنحها من عذوبة الصفاء، عفوية التلاقي، والتساقي.

نعم الإمارات في الوجود، أيقونة تاريخية، وسيمفونية أسطورية، ولا مجال لمن يفكر في السباق إلا أن يوقف عقارب الساعة، ويتوقف كي ينظر إلى النجوم كيف تلمع، وإلى الأقمار كيف ترسل وميضها، لتضيء الأرض.

المصدر: الاتحاد