بابا الفاتيكان في الإمارات: رسالة محبة للعرب والمسلمين

آراء

خاص لـ هات بوست :

زيارة بابا الفاتيكان، قداسة البابا فرنسيس، إلى الإمارات العربية ستكون الأولى في تاريخ دول مجلس التعاون الخليجي، فلم يسبق لأي من باباوات الفاتيكان زيارة أي من دول الخليج العربية. لكنها زيارة تأتي في التوقيت الصحيح والى البلد الصحيح. فمن ناحية التوقيت، أطلقت دولة الإمارات منذ سنوات مجموعة كبيرة من المبادرات والمؤسسات والفعاليات التي تُعنى بالتسامح والسلام وإصلاح الخطاب الديني وتجديد الأفكار والمفاهيم وحوار الأديان وتعزيز السلم في المجتمعات المسلمة.. وقائمة طويلة من المشاريع الحضارية المهمة على أصعدة الانفتاح الإيجابي على الآخر. 

اليوم، نحصد ثمار هذه الجهود الكبيرة إذ بدأت عملياً تؤتي أُكلها، وأكبر دليل على ذلك هذا التنوع المبهر للملايين من المقيمين في دولة الإمارات، من مختلف البلدان والأديان والثقافات، وما شهدته وتشهده الإمارات بشكل دائم من فعاليات تؤسس لثقافة قبول الآخر والتفاهم والتعايش بين المذاهب والأديان. آخر هذه الفعاليات، منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة الذي مازال أغلب ضيوفه القادمين من مشارق الأرض ومغاربها، ومن كافة الأديان والطوائف، موجودين اليوم في ربوع أبوظبي. فمن كان يتخيل، قبل عشر سنوات، أن تجتمع هذه القيادات الدينية المختلفة في العقائد والتجارب والرؤى في مكان واحد – في بلد عربي – لتبحث في المشتركات الإنسانية التي من شأنها أن تعزز مفاهيم التعايش والمواطنة والتسامح والإخاء الإنساني؟

توقيت الزيارة المرتقبة مهم جداً إذ كانت المنطقة، على مدى السنوات القليلة الماضية، تحت وطأة الصورة المرعبة المظلمة التي حاول تنظيم (داعش) وأمثاله فرضها كما لو أنها “حقيقة” الإسلام ولسان حال كل مسلم في العالم! كاد بعضنا يؤمن أن ثقافة داعش قدر لا يمكن الانفكاك منه قبل عقود من العمل والجهد لتغيير المفاهيم والسلوك. صحيح، ما زال أمامنا طريق طويلة في هذا الصدد لكن الإيجابي أيضاً في هذه القصة أن الإمارات – فعلاً وعملياً – أثبتت أن بالإمكان اختصار الزمن إذا ما كانت هناك نيات (وخطط) صادقة وواضحة في مواجهة أفكار الظلام ومشاريع الخراب. لم تساوم الإمارات أبداً على هذا المبدأ ولم تتنازل عنه في سبيل مشروع سياسي مؤقت أو مصلحة عابرة إذ إن إقحام الدين في صراعات السياسة وألاعيبها يقود غالباً الى كوارث يدفع الجميع أثمانها! ودولة الإمارات تستحق هذا الاحترام والتقدير من أعلى رمز ديني مسيحي كونها صدقاً أسست (بقناعة وإيمان راسخين) لثقافة تؤمن بالتسامح واحترام الآخر في معتقده وثقافته طالما التزم بقوانين وأنظمة الدولة. تلك هي النظرة الإنسانية والمتحضرة للأفكار، فأنت حر في معتقدك ما دمت لا تسعى لفرضه على غيرك، وطالما مارست قناعاتك وطقوسك الدينية وفق الآلية النظامية التي تضمن عدم إيذاء الآخرين. ومن يخطط لدور ريادي في المستقبل لا يمكنه البقاء رهينة لمفاهيم تراثية مغلوطة – أو لها ظروفها ومبرراتها التاريخية – تجاه الآخر المختلف دينياً أو فكرياً.

إن الدول التي تخطط بوعي وجدية للمستقبل تجعل التنمية على رأس قائمة اهتمامها ومشاريعها وخططها. قبل أيام قليلة، شهدنا حوارات وجلسات عميقة لصناع القرار في حكومة الإمارات، ضمن فعاليات الاجتماع السنوي لحكومة الإمارات. في جلسة رئيسة في ذلك الحدث المبهر، استعرض عدد مهم من وزراء الحكومة استراتيجيات وزاراتهم، وهي كلها تخطط وترتب لطموح عملاق، لا يُستغرب على حكومة تفكر في المستقبل، ألا وهو الوصول للمكانة الأفضل، في كل شيء،في العام 2071، احتفاءً بمئوية الإمارات. ودولة قادتها يمتلكون مثل هذه النظرة وهذا الطموح لن يستغرب عليهم محبة شعبهم لهم واحترام قادة العالم لهم.

زيارة بابا الفاتيكان المرتقبة للإمارات ستشكل حدثاً مهماً ليس فقط في تاريخ الإمارات وإنما أيضاً لمستقبل المنطقة كلها. إنها فعلاً صفعة في وجه الفكر المتطرف الذي يسعى جاهداً لتعميق الكره والقطيعة مع الآخر. وهي أيضاً رسالة مهمة، أسست لها وعززتها جهود الإمارات بشكل أخص، مفادها ان المستقبل هو لبناة الأوطان ودعاة السلام. فقيادة عملت ليصبح جواز بلادها في المرتبة الأولى عالمياً وتفكر جدياً بمستقبل أحفادها وتخطط له بجد وإجتهاد لا يمكنها أن تتماهى أو تتصالح مع أفكار الظلام وخطابات الكره ومشاريع الخراب!

عمار يا الإمارات.