حمود أبو طالب
حمود أبو طالب
كاتب سعودي

لا تخلطوا الأوراق

آراء

الساعة 8:44 مساء الجمعة بتوقيت أمريكا قال أحد أفراد الأمن: لقد وجدناه، لقد قبضنا عليه، ليتغير المشهد كليا من مظاهر التوتر والقلق والخوف إلى الهدوء والطمأنينة والفرح. بدأت أرتال الأمن تنسحب، والناس تخرج إلى الشوارع في (ووترتاون) لتحيي قوات الأمن وتتبادل التهاني بعد القبض على المشتبه الثاني في تفجيرات ماراثون بوسطن. السيناريو المثير الذي تابعه العالم لحظة بلحظة يؤكد أن البشر يمكنهم أن يتحملوا أي ظرف أو مشكلة إلا أن تتلون حياتهم بلون الخوف الكئيب. الأمن حين يفتقده أي مجتمع تصبح حياته جحيما حتى ولو لوقت قصير، وحتى لو كان متأكدا أن التهديد سيزول.

حسنا، تنفس الناس الصعداء بعد القبض على المشتبه الثاني، لكن أجهزة الأمن الأمريكية بدأت المرحلة الأهم، أو كما قال الرئيس أوباما لماذا حدث ما حدث، وكما تساءل المحللون ما الذي دفع شابين لاقتراف تلك الجريمة الإرهابية بحق المجتمع الأمريكي رغم نشأتهما وعيشهما فيه. بالتأكيد تابعتم محاولة ربط المعلومات ببعضها وتتبع تحركات الشابين وتحليل فكرهما وتوجهاتهما، وبالتأكيد عرفتم السياقات التي حاول المحللون الأمنيون والإعلاميون وضع الحدث ضمنها كتفسير لدوافعه. بدأت تعود بقوة مصطلحات الراديكالية الإسلامية، الجهاد، الإرهاب، وبقية المصطلحات التي برزت بعد أحداث 9/11، وكأن التاريخ يعيد نفسه بهذه الحادثة، ليبدأ مفترق طرق جديد نتمنى ألا يؤدي إلى مرحلة أخرى من التوتر والاحتقان.

ما حدث لا تقره كل الأديان وترفضه كل الشرائع؛ لأنه ضد الإنسانية والإنسان ولا يوجد له أي تبرير أبدا، وإذا كان للحكومة الأمريكية كل الحق في حماية مجتمعها من أي تهديد، فإن عليها أيضا أن تتفهم أن الشذوذ الفكري والتطرف موجود في المنتمين لأي دين، فقد حدث لديها ما يؤكد أن الفعل الإرهابي يمكن أن يقترفه مسيحي أو يهودي أو حتى لا ديني، وبالتالي يجب أن تحتكم القرارات إلى العقل والاتزان والنأي عن التعميم وعدم إتاحة فرصة لتلويث أفكار المجتمع بآراء المتطرفين في مرئياتهم وأحكامهم.

ومن جانبنا ــ كمسلمين ــ يجب على بعضنا ألا يتورط في الدفاع عن أخطاء الآخرين لمجرد أنهم ينتمون إلى مجتمع إسلامي أو يدينون بالإسلام. ليست مهمة أحد ولا واجبه ولا هو مقبول منه أن يدافع عن ترويع المجتمعات المسالمة حين يدافع عن الإسلام أو يحاول تبرئته من مثل هذه الأفعال السيئة. معروف وواضح وجلي أن مبادئ الإسلام وتعليماته وروحه أسمى وأرفع وأنزه من أي محاولة لربطها بالعنف، وبالتالي فالممارسات الخارجة عن سماحة الإسلام تمثل أصحابها وحدهم، ولا تمثل دينا عظيما كرم الإنسان وحث على السلام.

المصدر: عكاظ