برق الإخوان الخلب

آراء

هل استغلت جماعة الإخوان المسلمين إصرار الشيخ حمد بن خليفة، أو الأمير الأب، على نشر الفوضى في العالم العربي من أجل توسيع نفوذه على مستوى المنطقة وهي بهذا تُجيّره لصالح مشاريعها دون أن يدري؟ أم أن الأمير الأب وجد في «الجماعة» مطية يحقق عبرها طموحاته السياسية التي تقوم على خلق الفوضى وتغيير الأنظمة؟ أو بشكل آخر: من يستغل من؟

في تقديري إنها ليست علاقة مريبة تلك التي تربط بين الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وجماعة الإخوان المسلمين. وليس من باب «الحرب الإعلامية» أن يقال باحتمال انضمام الشيخ حمد فكرياً وسياسياً، منذ زمن طويل، لتلك الجماعة المستعدة دائماً للتحالف حتى مع الشيطان في سبيل تحقيق أهدافها التخريبية. ومهما قيل عن تقلبات الأمير الأب في توجهه السياسي، من ناصري إلى بعثي إلى إخواني، يبقى واضحاً أن سلوكه السياسي خلال العشرين سنة الماضية متأثر بشكل كبير بفكر الإخوان وتناقضاتهم وحيلهم. وجليّ لمتتبع مشاغبات وجنون السياسة الخارجية لدولة قطر منذ عام 1996 أن قطر عملياً تنفذ أجندة إخوانية. في المدرسة السياسية الإخوانية يمكنك ركوب أي موجة وبإمكانك عقد صفقات مع كل الأطراف المتحاربة والمتناقضة، بل يجوز لك أن تفعل ما تشاء، ما دام أنك تسعى لهدفك الأول والأخير: السلطة والتوسع والهيمنة ونبذ الآخر! ووفقاً لهذه المدرسة كل شيء يجوز. وبشيء من «الفهلوة السياسية»، يُصدق «الإخوان» في قطر أن بإمكانهم تمرير العلاقات المتزامنة مع كل المتناقضات، مع إسرائيل ومع إيران. مع الراديكاليين ومع الليبراليين. مع جبهة النصرة ومع «حزب الله». مع الحوثي ومع التحالف العربي. ولهذا فإن الدوحة بشكل جلي تمارس «التقية السياسية» التي اشتهرت بها جماعة الإخوان فهي تنوي شيئاً وتتحدث في شيء آخر؛ تتفق معك على مشروع وتناقضه في اليوم التالي باتفاق آخر مع خصومك. تحارب معك في النهار وتحارب ضدك في المساء. تعدك بشيء وتفاجئك بشيء آخر لم يكن في الحسبان. وتلك واحدة من مشكلاتنا مع قطر: كيف يمكن لنا أن نثق بـ«شقيق» فتح بيته وخزينته لكل الأعداء والخصوم وصناع الفتنة؟ الواقع أن الزائر لأي سوبر ماركت في الدوحة سيرى، بشكل سريع وصريح، نموذجاً لتلك المتناقضات في قطر من خلال زوار المحل، من إيرانيين وشيشان وأفغان وعرب، من كل التوجهات والأحزاب المتصالحة والمتحاربة «كوكتيل» من «العابثين» بأمن أوطانهم المدمرين لاستقرار بلدانهم، حيث ضمنت لهم ما يسميها إعلام الدوحة «قبلة المضيوم» وبإمكانات هائلة ملاذاً لشن مؤامرات وحروب ضد الجار القريب قبل البعيد.

المشاع بين جمهور المتابعين والراصدين أن حاكم قطر الحقيقي، الأمير الأب، حمد بن خليفة، ما زال يُمنّي نفسه بإمكانية ركوب موجة الإخوان لاستخدامهم أداة يسيطر عبرها على قرارات مهمة في ليبيا ومصر وسوريا ناهيك عن دول مجلس التعاون الخليجي. والواضح أيضاً أنه لم يقتنع بعد أن اللعبة قد انكشفت وأن «الإسلام السياسي» إلى زوال بعد أن جربت الجماهير مهازل الأداء السياسي والإداري لإخوان مصر وتونس وغيرهما حتى أدرك الناس في تلك البلدان وخارجها أن استغلال الدين كوسيلة للوصول للسلطة يقود، عملياً، إلى كوارث أمنية واقتصادية ويشكل تهديداً صريحاً للسلم المجتمعي وإشعالاً لمزيد من الفتن المذهبية والطائفية.

إذن ماذا تريد قطر؟

غردت في بداية الأزمة الأخيرة مع قطر متسائلاً: «ما ضر قطر لو ركزت جهدها وصرفت أموالها على التنمية وأعمال الخير داخل قطر وخارجها؛ ألم يكن ذلك أنفع لها من نشر الفوضى؟»

وعلينا أن نسأل المعنيين في الدوحة: هل تعتقد مؤسسة الحكم في قطر أنها في منأى عن أي خطر قد تتعرض له – لا قدر الله – السعودية أو الإمارات؟ ومن قال إن السحر لا ينقلب على الساحر وإن لاعب السيرك في أمان كامل من تلك الوحوش المفترسة التي يستعرض بها أمام جمهوره ظناً منه أنه قد وأد تماماً غريزة التوحش والافتراس الكامنة داخلها؟ وهل يدرك قادة قطر أن ممارساتهم السياسية التي نشكو منها ليست أصلاً منسجمة مع طبيعة وتركيب النظام السياسي في قطر ومناقضة تماماً للثقافة والتركيبة السياسية المستقرة في محيطها الخليجي؟

يبقى أن نأمل في وعي سياسي جديد للقيادة في الدوحة يبدأ بقناعة راسخة أن وعد «إمارة المؤمنين» للأمير الأب، الذي أوهمه به يوسف القرضاوي وجماعته، ليس سوى خيال خادع ألفه صناع الحروب وبائعو الأوهام ومحترفو الفتن.

من مصلحة قطر كما هي مصلحة دول مجلس التعاون أن تعود قطر عضواً مؤثراً وفاعلاً مع أشقائها في مجلس التعاون، وذلك سيتحقق بإذن الله ثم بوعي العقلاء في قطر. إن أمنهم وقوتهم من أمن وقوة أشقائهم في مجلس التعاون الخليجي.

المصدر: الشرق الأوسط