بدرية البشر
بدرية البشر
كاتبة سعودية مقيمة في دبي

بطالة النساء فضيحة اقتصادية لا اجتماعية

آراء

ليس من الإنصاف الحديث عن بطالة النساء بمعزل عن بطالة الذكور، لكن بطالة الذكور على الأقل تواجه حقائقها مثل فشل وزارة التخطيط وتعثر برامج العمل ونقد مخرجات التعليم وما يصاحبها من أسباب الفساد الإداري والمالي، فيما ظلت بطالة النساء تتستر بممانعة العرف والتقاليد، وصعوبة الحركة وغياب التشريعات. لكن المكاشفة الحقيقية ليست هنا، بل في الأرقام التي تقول إن قوة العمل النسائية في السعودية بلغت خمسة ملايين امرأة من مجموع تسعة ملايين، لا يعمل منهن سوى نصف مليون امرأة، (أي أن نسبة بطالة النساء بلغت 90 في المئة من قوة العمل النسائية)، والفضيحة الكبرى حدثت حين فكرتْ وزارة العمل في جبْر عثرات الباحثين عن عمل بمعونة موقتة تسمى «حافز»، فتقدم – بحسب آخر تصريح لوكيل وزارة العمل – 1.6 مليون امرأة، في مقابل نصف مليون شاب، (أي أنه في مقابل كل شاب يبحث عن عمل توجد ثلاث باحثات عن عمل)، فكادت الحكومة تقول: «هوّنا».

نصف مليون امرأة (أي ما نسبته 10 في المئة) فقط هن اللاتي استطاعتْ عجلة العمل أن تحمِّلهن مع حدود دنيا من الحقوق، أولها عدم تساويها في الراتب مع زميلها بحجة أن الرجل هو الذي ينفق، مع أنها لا تشتري السلعة بنصف السعر في السوق تحت هذه الحجة، ولا تعمل نصف ساعات العمل، فهذا النوع من الحجج لا يبرز سوى عند تسلّم الحقوق وليس عند توزيع الواجبات، وبقيت النساء من دون نقل عام يحفظهن من مخاطر الاخـتلاط المـزعومـة ومن دون فرص عمل كافية.

أصوات النساء التي ظهرت في برنامج «الثامنة» على شاشة MBC، هي أقرب إلى فضيحة اقتصادية من كونها فضيحة اجتماعية، فالفتاة لم تجد عملاً، وقد توفي والداها في حادثة، وهي المسؤولة عن إعالة أخوين، أحدهما معوَّق، ولم تكن تشحذ مالاً، بل عملاً، ولم تفهم ماذا يعني أن تبقى من دون مورد رزق، بحجة منع اختلاط النساء بالرجال، وخريجة «الأحياء» تنازلت عن شهادتها الجامعية، لتعمل بـ «الثانوية» في مؤسسة قطاع خاص، طمعاً براتب يقل عن ألف ريال، و «حافز» سيزحلق قريباً من على ظهره المليون ونصف المليون عاطلة، بعد أن يكتشف أن هذا الحل عاجز وليس حافزاً.

إن تقسيم المجتمع إلى طابقين سيجعل الحكومة في مواجة أمرين، الأول أن تصرف الضعف، كي تدير هذين الطابقين، أو تقدم طابقاً يحتله الرجال على حساب طابق النساء. وهذا ما يحدث الآن. يتحجج الذين يقارنون بين حالي النساء والرجال بأن الله خلق المرأة أضعف وأن الرجل أقوى منها. لكن، في كل الأحوال، ليس من عمل الدولة أن تنشغل بهذه الفروقات وتنحاز إلى الأقوياء حتى لا تضطر النساء إلى التفكير في التدرب على تمارين القوة، لإثبات العكس، مع أنني رأيت كثيراً من النساء مارسن هذه التمارين حين وجدن أنفسهن يُعِلْن أطفالاً، فخرجن يعملن من الصباح حتى المساء، كما أعرف رجالاً كبروا تحت أيدي نساء عملن بسفِّ الخوص وصناعة السلال والقفف حين لم يجدْنَ سواها، كي يطعمن أبناءهن، فكان أول ما فعل هؤلاء الرجال، إما أنهم صمتوا في أحسن الأحوال، أو شاركوا في ترويج ضعف النساء وضرورة الحجر عليهن.

سألتُ مراهقةً تخرجت حديثاً من الثانوية العامة عن خطتها المستقبلية، فقالت لي – وهي تبتسم -: «طبعاً، حافز». يا له من مستقبل مشرق!

 المصدر: جريدة الحياة