محمد الرميحي
محمد الرميحي
محمد غانم الرميحي، أستاذ في علم الاجتماع في جامعة الكويت

… بعد الكيماوي اليوم التالي

آراء

حيرة حول ما يمكن أن يحدث في اليوم التالي؟ نحن أمام احتمالين؛ إما أن تكون هناك حملة عسكرية، بصرف النظر عن مستواها، ضد النظام السوري، أو لا تحدث تلك الحملة. في الأسابيع الأخيرة بدأت الحيرة تصل إلى المواطن العادي الذي يتابع الأخبار التي تتغير بين لحظة وأخرى، تنتقل بين التشاؤم إلى التفاؤل، على أي طرف كنت من السياج!

تداعيات اليوم التالي مهمة، لنبدأ بافتراض رقم 1:

أن الحملة العسكرية الموعودة هي حمل كاذب! ماذا يمكن أن ترسل من رسائل إلى المنطقة وإلى العالم؟ قد تقرأ هذه الرسائل بأكثر من تفسير؛ الأول أن الحملة لم تتم، لأن النظام السوري سوف يسلم أسلحة الدمار الشامل للمجتمع الدولي، تلك العبارة سهل أن تقال ولكن معقد أمر تنفيذها، فهل سوف يسلم المنتج المخزون ويحتفظ بالأجهزة والمعدات التي تنتجه إلى وقت أفضل يسمح له بإعادة الإنتاج؟ هل سيقوم بتسليم المنتج والأجهزة (المصانع) وتدميرها أمام ناظري المجتمع الدولي؟ وهل يجري التفتيش على تلك الأسلحة تفتيشا دقيقا من أجهزة دولية؟ كل تلك الأسئلة مطروحة، ولنفترض أن هذا السيناريو قد جرى بالفعل، هذا يستدعي التفسير الثاني والمقارنة بتفكيك أسلحة فتاكة كانت لدى نظام صدام حسين، بعضنا لا يزال يتذكر كيف أرغم ذلك النظام على تفكيك ترسانته من بينها ما كان يسمى «المدفع العملاق» وغيرها من الأسلحة حتى نزعت أظافره ثم جرى الانقضاض عليه. يفترض البعض أن النظام السوري أكثر ذكاء وأكثر قدرة على المناورة (في بعض الأوقات يسمى الكذب مناورة تلطفا) لنفترض ذلك، فإلى أي حد سوف يذهب في المناورة. بعد التفكيك يصار إلى الحديث بسحب القوات الأجنبية من سوريا، حزبي الله اللبناني والإيراني! ثم يصار إلى المطالبة بتقديم «مجرمي الحرب الأهلية» إلى المحاكم.. وهكذا يبقى النظام في قفص شبه ذهبي مع الكواسر إلى أن يحل موعد رحيله، ذلك سيناريو متوقع، ولكن ليس مؤكدا.

السيناريو رقم 2: حدوث الحملة العسكرية منخفضة المستوى، وتخطي النظام نتائج الحملة جزئيا أو كليا بمساعدة حلفائه مناورة أو مداورة، ويخرج هو وحلفاؤه أقوى مما دخلوا، ماذا يمكن أن يحدث في مثل ذاك السيناريو؟

في الداخل السوري سوف تنفذ مجازر غير مسبوقة بتهم مختلفة وتحت ذرائع شتى، أساسها الاعتماد الكلي على الطائفة في الحكم، ثم يتلفت إلى الجوار من أجل العبث في الساحات المجاورة بطرق مختلفة، قد تكون ثلاث ساحات مرشحة للعبث المباشر، منها لبنان الذي سوف يجد الحليف المحلي أنه حقق «انتصارات إلهية» هذه المرة ليس على إسرائيل ولكن على الغرب والشيطان الأكبر الولايات المتحدة، فتصبح الساحة اللبنانية ملكا مباشرا للحزب، على ما تثيره تلك الخطوات من تفاعلات داخلية لبنانية وخارجية تتسم بالسلبية الشديدة. والساحة الثانية هي الأردن الذي اعتبره النظام السوري منصة للانطلاق ضده ولن يعوزه من المؤيدين الدائمين أو الموسميين من يكون في طاعته وقد انتصر، فيعبث بالساحة الداخلية الأردنية إلى حد تعرضها للمخاطر الجسيمة، ثم الساحة التركية التي ستكون هي الأخرى مفتوحة للمماسك المختلفة، منها إثارة أو مناصرة الأقليات التي لم تكن مرتاحة أو قد تصبح غير مرتاحة من سياسات حزب العدالة والتنمية، عدا أن إيران في هذا الموقف المنتصر سوف تصر، ظاهرا أو باطنا، على أخذ نصيبها من ثمار الانتصار، وهو نصيب ذو شعبتين؛ الأولى إطلاق اليد في الملف النووي، مع بعض التعديلات ومع كل ما يحمله من مخاطر، والثانية، وهي الأهم، تمدد نفوذ واضح ومشتهى منذ زمن في الجوار الخليجي، ولن تعدم مناصرين، مرة أخرى، ثابتين أو موسميين، لمساعدتها في توسيع هذا النفوذ.

بالتالي تستطيع أن تقول إنها تحيط حليف الغرب الاستراتيجي في المنطقة، إسرائيل، بسوار فولاذي، مستفيدة مما تثيره من مشاعر لدى قطاعات عربية تتوق إلى معاداة إسرائيل حتى بالكلام. يتوجب على الغرب في هذه الحالة أن يخضع لمصالحها من خلال هذا السيناريو، وقد بدا الغرب مفككا هزيلا يبعث على الشفقة وعاجزا عن القيام بأي مبادرة. إنه بداية أفول النفوذ الغربي كما عرف على الأقل في القرنين الماضيين، تلك نتيجة متشعبة من سيناريو اليوم التالي.

بقي احتمال آخر، وهو سيناريو رقم 3: يقول إن العمل يجري أولا على تقليم أظافر النظام السوري، ثم الانقضاض عليه من الداخل ومن الخارج، ولكن هذا السيناريو لا يزال غير متبلور، في ظل ظروف العلاقات الدولية القائمة، ولكن لنفترض أنه تم، سوف نجد أن إكماله يعني سقوط النظام باحتمالين؛ الأول فوضى تعبث فيها القوى المتشددة، ويعاد إنتاج شكل من أشكال «الحالة العراقية» لفترة قد تطول، والاحتمال الثاني تركيب حكومة قوية قادرة على لم الشمل. في الحالة الثانية فإن أوضاع بلد مثل لبنان وما جرى تركيبه حتى الآن من رأسين للدولة، واحد رسمي غير فعال وآخر غير رسمي متحكم في الدولة، سوف يتجه إلى تغليب الدولة على الميليشيات، وهي أخبار طيبة للبنانيين، كما أن الصراع بين المتنافسين في الداخل السوري لن يهدأ في وقت قريب، أما إيران فيمكن أن تبلع طموحاتها تحت شعار الاعتدال إلى حين، إلا أن هذا السيناريو الثالث لا توجد شواهد عليه قادمة من العواصم الغربية في ضوء التردد وارتجاف اليد القابضة على القرار في تلك العواصم.

اليوم التالي لم يكن أحد يريد أن يفكر فيه في مشروع التغيير العراقي، لذلك دخل العراق في متاهات على مستويين؛ الأول فكر فيه على أساس «اليوم خمر وغدا أمر»، أي يسقط النظام ونفكر في البديل، والثاني أن «الديمقراطية» بمعناها الغربي معدية، وقد تصل إلى العراقيين!! الفكرتان فشلتا فشلا ذريعا وانتهينا إلى صفر أجوف، وما زلنا بالمفخخات والصراعات نتحدث عراقيا كل يوم.

هل يمكن التفكير في وضع لسوريا لليوم «التالي» ما بعد ضجة الكيماوي، أفضل مما تم في كل من العراق وفي أفغانستان؟ ذلك سؤال علينا التفكير فيه منذ الآن وليس إرجاءه حتى الوصول إلى الطريق المسدود، إن أردتم رأيا فإني أعتقد أن الإطاحة بالنظام وتركيب دولة سورية حديثة تعددية هو أفضل ما يمكن أن يحدث للمنطقة، لأن بقية السيناريوهات كلها سوداء، ولكن الأمل تعوقه قلة العمل.

آخر الكلام:

تهزأ بنا الديمقراطية العربية كل يوم؛ في لبنان يمدد المجلس المنتخب لنفسه، في ليبيا يطوق المجلس المنتخب بالميليشيات، وفي الأردن يستخدم الكلاشنيكوف للإقناع الديمقراطي. قلنا ونكرر إن الديمقراطية ثقافة… ما زالت بعيدة المنال!!

المصدر: صحيفة الشرق الأوسط