بدرية الشمري
بدرية الشمري
كاتبة سعودية

بلا قهوة ..

آراء

في اليوم العالمي للقهوة كنا نحتفل ونتغزل بها إلى أن صدمنا خبر يقول

(أنه في عام ٢٠٥٠ لن يكون هناك مكان لزراعة شجرة القهوة بسبب الظروف المناخية والإحتباس الحراري والجفاف الذي بدأ يصيب البرازيل..! )

رغم أن العمر بيد الله ولا نعلم كم سيمتد بنا ولكنه خبر أخر يضاف إلى كوارث الحياة التي ما أن نستيقظ حتى تبدأ وسائل الإعلام بتوزيعها علينا بالتساوي مع أول خيوط النور إلى مغيبها حتى أننا في خضم هذا كله نهرب إلى فنجان قهوة نسامره ونوشوش له كيف اصبحت الحياة متعبه كوارثيه وسوداء ومرة مثلها تماماً ولكن الفرق بينها وبين كل ما يحصل أنها تعدل المزاج وكل ماعداها يخربه.!

القهوة هي السر ومفتاحه هي الوحيدة التي يمكننا التفاوض معها ونقض معاهدات الصلح بسلام، لأنها حتى وأن أتعبتنا فهي في النهاية تصالحنا وتراضينا من حيث لا نعلم.

القهوة حدث عظيم في تاريخ البشرية فمن حبوب تجمع وتحمص وتغلى وتشرب بطرق مختلفه إلى التفكر في هداية الله سبحانه وتعالى لنا بكيفية التعامل معها لتكون السيدة الحاضرة في محافل الكرم والضيافة وحتى الموت .

تخيلت للحظة كيف سيكون العالم بلا قهوة بدون رائحتها ومرارتها وسوادها وماذا سيحصل لنا بدون الثرثرة إليها والحديث الصامت معها ، ومن سيقاسم الحلوى الحياة والأطباق والمحافل ؟!

للجدات معها حكايات ولنا معها مشاوير الطرقات والتوقف هنا وهناك بحثاً عنها كل صباح لتعانق أنفاس النور وتعلن بداية يوم جديد.

هي مخلوقة عجيبة تشاركنا رغماً عنا وبإرادتنا الحياة ، تهرول بنا وتبحر وحتى أحياناً تقتلنا بين كل رشفة وأخرى لا أعلم لها وصفاً غير الصديقة ولا أتلذذ إلا بمرارتها فالسكر عندما يختلط بها يفقدها هيبتها وفخامة حضورها ويحولها إلى ظاهرة تسمى العبث بالحياة تحت مسمى الجمال لأن السكر الذي يخالط المرار يتنكر لواقع الأشياء ويخلف ظننا به ولكنه عندما يختلط مع كعكة او شوكولاته ندرك أنه يقوم بواجبه على أكمل وجه ..!

كيف للعالم أن يتنكر لها ؟! وكيف للطقس والرمل أن يهلك جذورها ويحرمها من الحياة ويرمي بها إلى سلم العد التنازلي حتى تفنى؟!

تخيلت جيلاً كاملاً لا يعرف القهوة ولم يتذوقها و وجدت نفسي أروي لهم كيف كان هناك حبات سحرية لها القدرة على محاربة كل شعور بالصداع والتعب والحزن بمجرد تطاير رائحتها هنا وهناك لتتبعثر حواسك وتجتمع في لحظة صفاء وتصفق بقوة لمفعول القهوة السحري وكأنها بطلة لأحد المسرحيات التي إنقرضت هي الأخرى ..!

تفريط في الحياة أن لا نحافظ على القهوة ومساحات الفرح الممتدة بها لأنها الوحيدة القادرة على نقل مشاعرنا من قنوات التواصل الجماعي إلى الفردي الذي يوحدك في دقائق ويحملك إلى عالم أنت تبحث عنه وتريده.

قهوتي مهما قصر عمري او طال لن أنسى أنك الوحيدة التي لم تخذلني ولم يهزمك هجري عندما أرهقني الحديث لك ولم يعد هناك متسع للدموع أكثر .