بيان علاقات عامة لبرامج التحول الوطني

آراء

أعتقد جازماً أن وزير الإسكان ماجد الحقيل والفريق العامل معه في الوزارة مدينون للكثيرين من الكتّاب والمغردين والمشاركين في مجموعات الواتساب بكلمة تقدير إن لم تكن اعتذاراً، خصوصاً بعد أن أعلنت الهيئة العامة للإحصاء أرقامها في نشرة المساكن بحسب نتائج مسح ميداني أجرته «الهيئة» حتى منتصف عام 2018، والنشرة متاحة لمن أراد الاطلاع عليها في موقع «الهيئة» وقد أعلنت في وسائل الإعلام كافة.

والعنوان الأبرز في هذه النشرة يقول إنه مع ارتفاع عدد الأسر السعودية بنسبة 2.46 في المئة مقارنة بمنتصف عام 2017، فإن نسبة المساكن المملوكة والمشغولة بأسر سعودية قد ارتفع، كما انخفضت بالتالي نسبة المساكن المستأجرة والمشغولة بأسر سعودية، لكن الرقم الأهم الذي حصلت عليه ولم يرد في النشرة يقول بأن وزارة الإسكان أنجزت أكثر من 60 في المئة مما التزمت به في برنامج التحول الوطني الذي أعلن عنه في حزيران (يونيو) 2016، ولا تزال أمامها بقية هذا العام وحتى نهاية 2020 لاستكمال النسبة المتبقية من برنامجها، والذي يهدف إلى رفع نسبة التملك إلى 60 في المئة للأسر السعودية.

ومن الواضح أن التعامل مع أداء الوزارات الخدمية والحكم عليها لا يزال في نطاق العاطفة الشعبية، من دون النظر في حقيقة أن هذه الوزارات تعمل في إطار خطة اسمها رؤية المملكة 2030، وأن وثيقة الرؤية تفرع منها برنامج التحول الوطني، الذي التزمت بمحاوره العديدة كل وزارات الدولة، وفق مبادرات محددة تم وضع آليات قياسها ومتابعة تنفيذها، وأن الوزراء التزموا بهذه المبادرات، ويقدمون تقارير دورية عن تقدم تنفيذها إلى مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي يرأسه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي يتابع شخصياً بصفته عراب الرؤية أداء الوزراء في التنفيذ وفق مؤشرات الأداء المعلنة، وليس سراً أنه تتم في جلسات هذا المجلس مناقشات ساخنة ودقيقة وتفصيلية، كما أن المركز الوطني لقياس أداء الأجهزة العامة (أداء) يقدم تقاريره المستقلة للمجلس.

وهكذا فإن الحكم على أداء الوزير ووزارته يجب أن يتم من خلال هذه المقاييس فقط، وليس من خلال مدى ارتياحنا لشخصية الوزير أو تفسيراتنا لتصريحاته، والحقيقة أنه ما زال من المحير كيف أن وسائل الإعلام بأشكالها وكتّابها وصحافييها كافة يملكون في أيديهم كل هذه الحقائق المعلنة ولا تكون هي مادتهم الأولى، ولا يوجد تفسير لهذه الحالة إلا أن هناك حالة من الاتكال على المعلومات الجاهزة والميل إلى طرح الأفكار الشعبوية التي تزيد من عدد المتابعين، ومن جانب آخر فإن الأداء الإعلامي للوزارات بما فيها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية لا يزال أقل من المطلوب في تزويد الرأي العام بتقارير دورية عن مدى التقدم في تنفيذ الرؤية وبرامج التحول الوطني، وهذا مقترح أقدمه للزملاء الإعلاميين والكتّاب بفتح ملفات لكل الوزارات والهيئات الحكومية التي أعلنت مبادراتها للتحول الوطني 2020، ومتابعة أدائها خلال ما تبقى من هذا العام والعام المقبل، حتى يبدأ المركز الوطني لقياس أداء الأجهزة العامة بنشر تقاريره الدورية للرأي العام.

وبالعودة إلى قطاع الإسكان، نجد أن المبادرات التي أقرّها برنامج التحول الوطني نجحت في تجاوز أهم التحديات التي كانت تواجه الوزارة في الماضي وأعاقت تنفيذ الحلول لها عقوداً طويلة، فقد تم ضخ مئات الآلاف من الوحدات السكنية بأسعار تتناسب مع قدرات معظم المواطنين المتقدمين لطلب الدعم السكني، وذلك بشراكة واضحة المعالم مع شركات التطوير العقاري، كما نجحت الوزارة في فك اختناق التمويل العقاري من صندوق التنمية العقاري بتحفيز البنوك على الإسهام في هذا القطاع، وعلى رغم ما يشاع عن عدم قبول هذا التفاهم مع البنوك، فإنها وصلت إلى تقديم ثمانية آلاف قرض شهرياً، ونسبة كبيرة من هذه القروض مدعومة لكامل أرباح التمويل لمن تقل رواتبهم عن 14 ألف ريال شهرياً.

وفي مواجهة غياب التنظيمات الحاكمة لسوق العقار، نجحت الوزارة في إقرار وتفعيل عدد من التنظيمات التي تستهدف توفير بيئة إسكانية متوازنة ومستدامة، ومن هذه التنظيمات إنشاء الهيئة العامة للعقار، وتنظيمات للعلاقة بين المؤجر والمستأجر بالعقود الموحدة، وتفعيل قرار فرض رسوم الأراضي البيضاء في المدن الكبرى، بلغت مساحاتها 411 مليون متر مربع، وبدأ بالفعل تطوير 52 مليون متر مربع منها، كما تمت الاستفادة من 450 مليون ريال من عائدات هذه الرسوم في تطوير البنية التحتية للمشاريع الإسكانية.

وقد تعرّض وزير الإسكان على المستوى الشخصي لحملة ظالمة حينما تحدث عن أن الوزارة تسعى لتطبيق أساليب غير تقليدية في البناء، ومنها بناء منزل خلال يومين، ولم تكن التعليقات الساخرة تتحلى حتى باللياقة، مع أن هذه التقنيات أصبحت شائعة في العالم ليس لبناء منازل فقط وإنما لبناء ناطحات سحاب، وحينما قدمت الوزارة أول بيت يبنى بالطباعة الثلاثية الأبعاد وعرضت البناء أمام الناس، وحينما سلّمت مواطناً بيته المبني بالوحدات المسبقة الصنع خلال يومين صمت الساخرون ولم يكلفوا أنفسهم الاعتذار، والحقيقة أن الطريقتين تعنيان ببساطة شديدة أن بالإمكان قيام صناعة كاملة لقطاع الإسكان بأقل عدد ممكن من العمالة الوافدة، التي ثبت بتجربة مريرة استمرت عقوداً أنها أسهمت في بناء منازل غير متعاظمة القيمة، لكن الوزير كما عرفته اختار العمل بصمت مؤدب وتقديم المنجز للناس، أما تصريحه الشهير حول أن الإسكان هو «أزمة فكر»، فقد ثبت بعد مزيد من التروي أن فكر الجيل الجديد من السعوديين تجاه الإسكان لم يعد هو ذاته فكر آبائهم، فالشباب أصبحوا أكثر قبولاً للأفكار الجديدة حول مسكنهم الأول من حيث المساحة وأسلوب البناء.

وأخيراً.. هل هذه المقالة هي بيان علاقات عامة لوزارة الإسكان؟ إن شئتم أن تعتبروها كذلك فهي كذلك، فإن فهمي للعلاقات العامة هو نقل الحقائق وليس تزويرها كما يشاع عنها، والأهم من ذلك فلتكن محاولة لكتابة بيان علاقات عامة عن رؤية المملكة 2030 وبرامج التحول الوطني التي نعقد عليها آمالنا في حياة أفضل للأجيال القادمة.

المصدر: الحياة