بين النقد والشتيمة

آراء

بقدر ما نأمل في التأسيس لثقافة تحترم مبدأ النقد وأهميته في نهضة الأمم بقدر ما نأسف لكثرة من يخلط الشتيمة بالنقد.
النقد مبدأ حضاري والشتيمة سقطة حضارية. وقت الأزمات السياسية في العالم العربي ينساق كثيرون إلى لغة «الردح» معممين الخطأ على الجميع بلغة شاتمة لا تفرق بين موقف وآخر.

أقرأ التعليقات على شبكات التواصل الاجتماعي حول أي خلاف طارئ بين بلدين وأفاجأ كيف تغيب لغة العقل والمنطق ويهيمن خطاب الشتيمة في تعميمات مخجلة تطال الشعوب والتاريخ وكل وجه إنساني حولنا.

بعضهم حينما يعبر عن اختلافه معك في الرأي يستخدم لغة إقصائية أو شاتمة معتقداً أنه «جريء» في نقده لرأيك أو في اختلافه مع فكرك. مرد ذلك في ظني غياب ثقافة النقد. انظر كيف تُشخصن المسائل والقضايا. فما أن تنتقد مؤسسة عامة حتى تتساقط عليك الأسئلة: ما هي مشكلتك هناك؟ هل رفضوا توظيف ابنك؟ هل عطلوا مشروعك؟ في هكذا بيئة، لا يمكن أن يؤخذ النقد على أنه من باب الإيمان بضرورة النقد، حضارياً وتنموياً، وإنما يُربط مباشرة بتصفية حسابات شخصية أو بالضغط من أجل مصلحة خاصة.

أما «لغة الاختلاف» فحدِّث ولا حرج. ما أن يُصنف كاتب أو مثقف في دوائر «المغضوب عليهم» فكرياً -وفقاً لموقف الخصم- حتى تستشري لغة البذاءة والقذف ضده. ثم تطال هذه اللغة عشيرته ومنطقته ولون بشرته وأصوله وحتى السخرية من اسمه. وحينما تعبر عن رفضك لهكذا خطاب يأتيك الرد صاعقاً: ألست من دعاة النقد والاختلاف في الرأي؟ وتقسم حينها بأغلظ الأيمان أنك مع النقد ومع التعبير عن اختلاف الرأي لكنك في الوقت نفسه تعرف كيف تفرق بين «النقد» و«البذاءة»، بين حرية التعبير وحرية الشتيمة!

نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (١٤٨) صفحة (٣٦) بتاريخ (٣٠-٠٤-٢٠١٢)