ياسر الغسلان
ياسر الغسلان
كاتب و مدون سعودي

تبوك.. الثالثة ثابتة

آراء

هناك من يقول إن ما عاشته تبوك خلال الأسبوع الماضي نتيجة الأمطار الغزيرة ليس إلا نتيجة حتمية لمنطقة تتبع دولة تعرفها كتب الجغرافية بالصحراوية، والصحراء بطبيعتها لا تعرف بالأمطار الغزيرة والفيضانات المائية، بينما آخرون سيقولون إن تبوك التي اعتادت على استقبال الثلوج في فصل الشتاء هي منطقة جغرافية معرضة لمخاطر الطبيعة وتقلبات الأجواء.

سيحمّل الآخرون مسؤولية ما حدث للجهات الرسمية، ويعتبرون ذلك تقصيرا وفسادا إداريا، بينما سيقول آخرون إن “كاترينا” و”ساندي” أغرقا أميركا وأخرجا للعيان فسادا مستشريا في نظام إداري انتهازي لا يهتم بالبشر.

عندما حدثت كارثة جدة الأولى توقعنا أنها لن تتكرر، حيث سيتم وضع الحلول الجذرية للوقاية من تكرار تلك الفاجعة الإنسانية، وعندما حدثت للمرة الثانية تم التعامل مع الأمر وكأنه الاختبار الأول، وكأنه أمر جديد يجب بعده أن تتحرك المواقف وتتخذ الإجراءات الاحترازية.. وفي تبوك يحدث ذلك اليوم للمرة الثالثة على مستوى الوطن وفي غضون أربع سنوات فقط، إلا أننا ـ ورغم ذلك ـ ما زلنا نردد ذات المواقف ونؤكد أن الفساد وضياع المال العام وسوء التخطيط والإدارة الهزيلة والاتكالية هي الأسباب التي أدت لتكرار هذه الكوارث عاما بعد عام.

لدينا عدة مشاكل في طريقة تناولنا لأزماتنا، الأولى في تقديري تكمن في التهاون بالمحاسبة الصارمة لتلك الحالات التي أخفق فيها المسؤول عن أداء عمله.. والثانية تتركز في سهولة إيجاد المخارج القانونية في تحمل المسؤولية، فالوزارة المعنية قد تخلي مسؤوليتها مرجعة ذلك لافتقار الموارد المالية الكافية، في وقت يرتكز كثير من مواقفنا المشابهة لردات الفعل وإدارة الأزمات.

الطريقة المتواضعة التي أديرت فيها سيول تبوك كما كشفتها الصور والتسجيلات الصوتية والمشاهد المصورة هي نتيجة عدم وجود مركز وطني موحد لإدارة الكوارث، ترسم فيه السيناريوهات المحتملة للحوادث المشابهة وفق التجارب التي تواجه الوطن بشكل عام، فمثلا لو كان الفريق الذي تعامل مع سيول جدة وتعلم من أخطائه جزءا من عملية إدارة الأزمة في تبوك فلربما كان التعامل مع الحدث أكثر دقة وأقل أضرارا.

التخصص دون شك أمر ضروري في إدارة المسؤوليات، إلا أن إدارة الأزمات والتخطيط للسيناريوهات هي مجهود جماعي بإمكانه أن يكون أكثر فائدة وتأثيرا عبر إشراك الجميع في التخطيط لما يمكن أن يحدث، أما الفساد وسوء الإدارة وضياع المشاريع فهي المسببات التي لا يمكن حلها ما لم تكن هناك آلية واضحة وعلنية للمحاسبة وتحمل المسؤولية.. لأن المثل يقول: “إن لم تستح ـ وفي هذه الحالة تخف – فاصنع ما شئت”.

المصدر: الوطن أون لاين