ترامب.. ملفات المنطقة والعرب

آراء

على خلاف جميع التوقعات، استطاع المرشح «الجمهوري» دونالد ترامب الفوز في الانتخابات الرئاسية الأميركية متقدماً على منافسته «الديمقراطية» هيلاري كلينتون التي أشارت آخر استطلاعات الرأي إلى أن فرص نجاحها تصل إلى 90%. وقبل الخوض في غِمار السياسة الأميركية المتوقعة في المنطقة يمكن قراءة السياسة الخارجية في فترة جورج بوش وباراك أوباما على النحو التالي: اتسمت السياسة الخارجية في فترة الرئيس الأسبق جورج بوش بنوع من الراديكالية والاندفاع وهو ما دفع المحللين إلى وصف إدارته بـ«المحافظين الجدد»، أسفر ذلك الأمر في خوض أميركا لحرب أفغانستان وغزوها للعراق. نتج عنه بداية فراغ أمني في المنطقة لم تستطع الولايات المتحدة من ضبط أبعاده ما أسفر بدوره عن تنامي التدخلات الإيرانية في المنطقة وتزايد خطر الإرهاب في المنطقة وانعدام الأمن في أفغانستان، أفضى من ناحية أخرى وبسبب الأزمة الاقتصادية إلى تأثير كبير على الاقتصاد الأميركي الذي لم يعد يحتمل النفقات العسكرية الباهظة. كما بُنيت السياسة الخارجية لإدارة أوباما على النقيض من السياسة الخارجية لسلفه، وذلك رغبة في تخفيف حدة الرادكالية ومحاولة معالجة آثار الأزمة الاقتصادية. هذه السياسة دفعت بدورها كذلك إلى مزيد من الفراغ الأمني مع انسحاب القوات الأميركية من العراق، وظهور ما عُرف بثورات «الربيع العربي» التي دفعت إلى انهيار كلي لبعض الأنظمة الحاكمة مثل ما هو الحال في ليبيا واستمرار انعكاساته على سوريا فخلق بؤراً وحواضن للتنظيمات الإرهابية.

نتيجة لما تقدم ينظر للسياسة الأميركية القادمة بوصول ترامب على أنها ستأخذ طابعاً جديداً مغايراً للسياسات السابقة، ولكنها لن تستطيع أن تنسلخ تماماً عنها نظراً لاستمرار ذات الملفات الشائكة في المنطقة.

وبالرغم من ما يطلق عليه بـ«الاستدارة الأميركية لشرق آسيا» غير أن ملفات المنطقة ومصالح الولايات المتحدة تدفعها باتجاه الحفاظ على حضورها في المنطقة، تتمثل تلك الملفات في: قضية الإرهاب، أمن إسرائيل والمصالح الاقتصادية، والملف النووي الإيراني، والتدخلات الإيرانية في المنطقة.. هذه الملفات وبالنظر إلى التعاطي الأميركي لبعضها في السابق، فإن دخول لاعبين جدد في المنطقة ونشير هنا تحديداً إلى روسيا، يجعل السياسة الأميركية ذات نهج يراعي مثل هذه التطورات.

فبالعودة إلى تصريحات ترامب خلال حملته الانتخابية يتضح أنه يضع محاربة الإرهاب وتحديداً «داعش» هدفاً رئيساً له يفرز بدوره تلاقي رؤى مع روسيا ورئيسها بوتين، وبالتالي لا يُعد مصير الأسد أمراً رئيسياً بالنسبة له، وهذا يعني مزيداً من الضغط على المعارضة السورية.

فيما يتعلق بأمن إسرائيل فسيبقى الوضع مثل ما كان عليه في الإدارات السابقة وهو ضمان أمنها وصعوبة تحريك القضية الفلسطينية بل تقديم وعد بأن تكون القدس عاصمة أبدية لإسرائيل. باعتباره أن الاتفاق النووي هو أسوأ اتفاق والوعد بتمزيقه فور وصوله للسلطة فإن ذلك الأمر يتوقف على جوانب أخرى ومنها الوضع الدولي، وتشابك ذلك الملف مع مصالح دول أخرى، بالإضافة أنه في حال التقارب الأميركي- الروسي في بعض الملفات، فإن ذلك سيدفع باتجاه أن يكون لروسيا تأثير بصورة ما على رؤية ترامب لهذا الاتفاق، مضافاً له أن تلك التصريحات تبقى تصريحات خلال فترة الحملة الانتخابية أما وبعد الوصول إلى البيت الأبيض فإن ترامب سيكون وسط مجموعة من الأجهزة والمؤسسات ذات الاختصاص التي ستدفع بدورها إلى مزج تلك التصريحات بحقائق ووقائع تفضي إلى قراءة جديدة، ولعل فرض عقوبات أو الإبقاء على العقوبات الأحادية الأميركية على إيران ومنها التعامل بالدولار والتحويلات المالية هي من ضمن الخيارات لدى ترامب في هذا الشأن. وتبقى المصالح الاقتصادية تلعب دورها كذلك في السياسة الأميركية في المنطقة، غير أن أمن المنطقة وعلى الرغم من أهميته لدى أميركا إلا أن فكرة ترامب في هذا الشأن قائمة على أن ذلك لن يكون بالمجان، وبالتالي على دول المنطقة أن تتحمل التكلفة المالية لذلك.

وإذا كنا بالفعل نتطلع إلى سياسة أميركية فاعلة تجاه قضايا المنطقة، وإنهاء التردد التي اتسمت به إدارة أوباما فإنه يجب أن نكون على يقين أن السياسة الأميركية القادمة لقضايا المنطقة ستكون وفق ما يخدم مصالحها وبناءً على المعطيات الجديدة سواء تأثير اللاعبين الجدد أو الواقع على الأرض. فأين نحن العرب من ذلك؟ هل نمتلك استراتيجية واضحة لقضايا المنطقة؟ كيف هو تأثيرنا على الأرض؟ ما هو وزن الحضور العربي مقارنة باللاعبين الآخرين؟ الإجابة على تلك الأسئلة ستساهم إلى حد كبير في معرفة السياسة الأميركية على المنطقة وتأثيرها على دولنا. وإذا كانت الإدارة الأميركية تبحث بحق عن تحقيق الاستقرار في المنطقة فعليها أن تدرك جيداً أن استمرار النفوذ الإيراني في المنطقة وإطلاق يدها في التدخل في شؤون الدول العربية وتدخلاتها معللة في ذلك بمحاربة الإرهاب، يدفع باتجاه عدم استقرار المنطقة ويساهم في دفع النظام الإيراني إلى خلق مزيد من الانشقاقات في المجتمعات عن طريق إشعال الحرب الطائفية وخلقها لتنظيمات إرهابية في سلوكها حتى ولو حاولت أن تظهر محاربة للإرهاب في شكلها. مطلوب سياسة عربية فاعلة ونشطة لتوضيح الأمور للغرب وأميركا. ختاماً كما أننا نريد من الإدارة الأميركية، فإننا نريد من أنفسنا كذلك القيام بالكثير.

المصدر: الاتحاد