تسلية صواريخ إيران الحوثية

آراء

في يوم من العام 1991 ظهر علينا المرحوم سليمان العيسى على شاشة التلفزيون وبصوت ملؤه الرعب والتوتر وطلب منا (سكان المملكة) أن أطفئوا الأنوار ولوذوا بالأماكن البعيدة عن الحيطان الخارجية. في الوقت نفسه كنا نسمع صوت بوق التحذير من الغارات. صوت يأخذ خيالك إلى المقابر والمخارب والشؤم. لم يكن الأمر هيناً. طاف على الفور بذاكرتي رواية خان الخليلي التي وصف فيها الأستاذ نجيب محفوظ انتقال عائلة مصرية من حي السكاكيني الراقي إلى حي الحسين الشعبي في القاهرة هرباً من الغارات الألمانية. تدور أحداث الرواية أثناء احتدام الحرب العالمية الثانية. كانت العاصمة المصرية تتعرض لغارات طائرات الألمان. يتركز القصف على الأحياء الراقية (يسكنها الإنجليز).

من إجراءات الحرب في الحرب العالمية الثانية أن يطلب الدفاع المدني من الناس عند اقتراب طائرات العدو إغلاق النوافذ والستائر وإطفاء الأنوار للحد من قدرة الطيار على تصويب قنابله. أثناء احتمائي بالمطبخ اختلط علي الأمر. هل نحن عرضة لهجوم بالطائرات أم بالصواريخ. من بيان المرحوم عرفنا أن القادم صاروخ. المنطق يؤكد أن الصواريخ تضرب أهدافها في الظلام أو تحت أشعة الشمس. إطفاء الأنوار هدفه تضليل الطيار. لا نملك إلا أن ننفذ التعليمات فالشيوخ أبخص. بعد سكون لم يدم طويلاً سمعنا دوي انفجار رهيب فتراكمت أسباب الرعب والتفت علينا أذرع الموت من كل جانب.

مرت تلك الليلة لا نعرف عدد الموتى وعدد الجرحى وأي جزء من الرياض زال من الوجود. كانت دعاية صدام تروج أن العراق اخترع صاروخاً اسمه (كانت هناك مدينة) وأثناء التحشيد العسكري كان الأميركان يروجون أن صدام حسين يملك سادس جيش في العالم وترسانته مدججة بالسلاح الكيميائي. وعزز هذا أن وزع الدفاع المدني الأقنعة الواقية من السلاح الكيماوي.

في الصباح بعد أن تأكدت أني ما زلت على قيد الحياة جمعت أطراف شجاعتي وفتحت الباب. شاهدت الحارة على حالها ولكن الصمت المكثف رفع طنين الهلاك المدوي في أعصابي. دفعت نفسي بعد أن تحايلت عليها واستقليت سيارتي بحثاً عن الدمار الذي خلفه صاروخ (كانت هناك مدينة). جبت شارع التخصصي وسرت في طريق الملك فهد ووصلت حي الديرة لم أشاهد أي شيء يشي بآثار حرب.

ترامت الأخبار في منتصف اليوم التالي. عرفنا أن الانفجار ناشئ عن اصطدام صاروخ باتريوت بصاروخ صدام وتم تفتيته في الهواء. مضت الحرب، صاروخ هنا وصاروخ هناك. وأخيراً اعتدنا الأمر، بعد أيام انقلب المزاج العام، أصبحت صفارات الإنذار مبعثاً للتسلية والسخرية عندما نسمع صفارات الإنذار كنا نخرج من البيوت للبحث عن شظايا الصاروخ، وها هو التاريخ يعيد نفسه. شاهدت الشباب يتراكضون إلى موقع صاروخ الحوثي ليقضوا ليلة ممتعة.

المصدر: الرياض