علي عبيد
علي عبيد
كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة

تطوير التعليم مهمة ليست مستحيلة

آراء

كانت جلسة مكاشفة ومشاركة أكثر منها إحاطة إعلامية، تلك التي عقدها معالي حسين بن إبراهيم الحمادي، وزير التربية والتعليم، يوم الأربعاء الماضي، مع رؤساء تحرير الصحف المحلية ومديري المؤسسات الإعلامية، بحضور معالي الدكتور أحمد بالهول الفلاسي، وزير الدولة لشؤون التعليم العالي، ومعالي جميلة المهيري، وزيرة الدولة لشؤون التعليم العام، في مقر الوزارة بدبي.

لم يكن مبهجاً لنا فقط حجم الإنجاز الذي حققته الوزارة في مجال تطوير المناهج وتحديثها، وإنما أسعدنا أيضاً ما لمسناه من حماس الوزراء الثلاثة لهذه التجربة، ومدى تناغمهم في عملهم، واتفاقهم على إحداث نقلة نوعية في منظومة التعليم العام والعالي في دولة الإمارات، ودفقة الأمل الكبيرة التي شعرنا بها لديهم أثناء الجلسة، والتي انتقلت إلينا حاملة معها إحساساً عميقاً بحجم المسؤولية التي يتحملونها، ويُفترض أن نتحملها جميعاً معهم، تجاه هذا الجيل والأجيال القادمة من أبناء الدولة، وكل الذين يتعلمون في مدارسها الحكومية والخاصة وجامعاتها، على اختلاف جنسياتهم، باعتبار أن دولة الإمارات تقود معركة ضد الجهل والتخلف والتشدد والتطرف، وتعمل على إحياء الأمل، ليس في نفوس أبنائها فقط، وإنما في نفوس كل من يتطلع إلى محاكاة تجربتها، لأن دولتنا تكاد تكون مشعل الأمل الوحيد المضيء في المنطقة الآن، في ضوء ما نشهده من دمار وتمزق، محولاً دولها إلى كيانات طائفية وعرقية تحارب بعضها بعضاً، وتسعى إلى محو غيرها من على وجه الأرض. وليس أكثر من التعليم وسيلة لإنقاذ البشرية من الشرور التي تحيق بها، وقد عودتنا دولة الإمارات أن تنجح في كل هدف تسعى إلى تحقيقه، وسوف تنجح في تحقيق هذا الهدف بعون الله تعالى، وبعزم وهمة قادتها وأبنائها المخلصين.

كان الوزراء الثلاثة صرحاء إلى الحد الأقصى عند مناقشة هذا الموضوع الذي يتعلق بحياة أبنائنا، وبمستقبلهم الذي هو مستقبل وطننا وأمتنا، لأن مخرجات التعليم هي التي تحدد مدخلات المستقبل، فإذا كانت هذه المخرجات قوية ضمنّا مدخلات قوية وقادرة على جعل هذا المستقبل مشرقاً ومبشراً.

وقد مر التعليم في دولتنا بمراحل عدة، وتعرض في بعض المراحل لانعطافات حادة أثرت على مسيرته، وتعاقب عليه وزراء ومسؤولون، نقدر جهود واجتهادات بعضهم في الارتقاء بهذا القطاع المهم، لأن التقليل من هذه الجهود ونكرانها تماماً ليس من العدل والأخلاق والمنطق، فالذين يقودون مسيرة التنمية والتطوير والتحديث في مختلف قطاعات الدولة اليوم هم من مخرجات هذا التعليم، لكنّ ما كان مقبولاً قبل عقد من الزمان أو أكثر لم يعد مقبولاً اليوم، علاوة على أن الأحداث التي شهدها العالم خلال العقدين الأخيرين، وما تشهده منطقتنا العربية الآن، يتطلب منا تعليماً نوعياً فائق الجودة ومختلفاً، كما يتطلب تربية فكرية وأخلاقية لا تقل عناية عن جودة التعليم الذي يجب أن يتلقاه أبناؤنا في المدارس الحكومية والخاصة على حد سواء، لأن ما ينتجه القطاعان الحكومي والخاص يضخ في النهاية داخل مجتمعنا، وينتقل البعض منه إلى مجتمعات أخرى ذات صلة قوية بنا، لما يربط البشر من علاقات ووشائج.

خلاصة الموضوع، في رأيي، مع كل الشكر والتقدير للجهود التي يبذلها معالي وزير التربية والتعليم ومعاونوه، هو أننا إذا أردنا أن ننجح في تطوير تعليمنا، والوصول به إلى المستوى الذي نتمناه ونطمح له، فعلينا أن نعمل على توفير بيئة تعليمية جاذبة للطالب، يقبل عليها بحب، مثلما يقبل على صالات الألعاب والترفيه، لا كما يفعل أبناؤنا الآن وهم ذاهبون إلى مدارسهم في بداية العام الدراسي، مكفهرة سحناتهم عابسة وجوههم، كأنما يساقون إلى سجن أو ساحة إعدام، وداخل هذه البيئة الجاذبة نقدم للطالب تعليماً راقياً، يتوافق مع أساليب العصر الحديث، ليس في مجال العلوم فقط، وإنما في مجالات الفكر والفلسفة والفنون والآداب، لأن انفتاح عقل الطالب على هذه المجالات هو الوسيلة الأولى لحمايته من الأفكار المتطرفة، التي أنتجت لنا «القاعدة» و«داعش» وغيرهما من الجماعات والتنظيمات الإرهابية المتطرفة، التي شوهت صورة ديننا الإسلامي الحنيف، واستعْدت شعوب العالم كلها علينا، ومزقت أوطاننا، وحولتها إلى خرائب وأطلال، وأحيت نعرات طائفية وعرقية كانت على وشك الموت، فأتاحت لها أن تنشط وتتوغل في مجتمعاتنا العربية والإسلامية.

هذه البيئة التعليمية الجاذبة هي التي ستجعل أبناءنا يقبلون على مدارسهم بحب، ويتلقون دروسهم بحب، ويعاملون مدرسيهم بحب.هذا هو الشرط الأول لتطوير تعليمنا، أما الشرط الثاني فهو توفير بيئة جاذبة لمهنة التدريس التي ينفر منها الكثيرون، ويقبل عليها البعض مضطراً، باعتراف العاملين في الميدان أنفسهم، وإن كان هذا لا يقلل من قيمة العاملين فيها من الصنفين، ولا ينفي أن هناك من يقبل على هذه المهنة بحب مطلق، وإيمان بأنها رسالة قبل أن تكون مهنة.

وتوفير بيئة جاذبة لمهنة التدريس يتطلب أموراً كثيرة، من بينها النهوض بالمدرس مادياً ومعنوياً، وإعادة المكانة التي كانت له قبل عقود من الزمان إليه.

وهذه مهمة لن تستطيع أن تقوم بها الوزارة وحدها، لأن دور المجتمع فيها مهم، وما لم يقم المجتمع بهذا الدور، فإن أي جهد تبذله الوزارة لتوفير هذه البيئة لمهنة التدريس سيكون ناقصاً ومبتوراً.

الحوار بين أصحاب القرار ومختلف القطاعات مهم ومثمر، والحوار مع العاملين في الميدان أهم لأنهم أصحاب الشأن، ولا نعتقد أن هذا غائب عن أصحاب القرار كما لمسنا ذلك أثناء الحوار.

المصدر: البيان