عبدالله القمزي
عبدالله القمزي
كاتب إماراتي

تعدّد المهام.. خرافة عن مهارة

آراء

صادفتُ الكثيرين في حياتي ممّن يتفاخرون بأنهم قادرون على أداء مهام متعدّدة Multitasking في الوقت نفسه. أحدهم كان مديراً يؤمن بهذه المهارة كحقيقة راسخة في حياته، وعندما أكون في مكتبه لأستشيره في أمور، أجده منهمكاً يكتب على الكمبيوتر، يومئ لي برأسه أنه يسمعني، ثم بعد أن يرفع عينه من الشاشة يستدير جهتي ويسألني: ماذا قلت؟

تعدّد المهام يقلل الإنتاجية بنسبة 40% ويزيد الأخطاء، ويرفع التوتّر ويُضعف الذاكرة.

جوابه يكفي لتحويل المهارة إلى خرافة، لأنه لم يكن يستمع إلى كلامي، وكانت لديّ زميلة هي كذلك تتفاخر بتلك المهارة المزعومة، وعندما أدخل مكتبها لأسألها تطلب مني الصبر حتى الانتهاء من الرد على الإيميل!

المدير نفسه كلّفني مرة بـ12 مهمة، وعندي موظفة واحدة، فقلت له: «حتى (سوبرمان) يؤدي مهمة واحدة في أي وقت، فهو صحافي في وقت اليسر، ويتحول إلى سوبرمان وقت بروز التحديات، ويستحيل أن يكون صحافياً و(سوبرمان) في الوقت نفسه»، فلم يرق له كلامي، رغم أن العلاقة بيننا كانت تسمح بهذا النوع من النقاش.

لستُ خبيراً ولا جهبذاً في علم الإدارة، لكنني لستُ بحاجة إلى ماجستير ولا دكتوراه كي أثبت التالي:

يستطيع شخص (رجل أو امرأة) أن يمشي ويمضغ علكة في الوقت نفسه، فهذه تسمى أنشطة تلقائية، ويستطيع أن يستخدم هاتفه الذكي وهو يمشي ويمضغ، لكنه حتماً بحاجة إلى رفع رأسه والنظر أمامه لتتبع طريقه، وهنا أصبحت المهارة خرافة.

يستطيع شخص أن يقود السيارة ويتحدث بالهاتف، رغم أنها عادة خطرة، إلا أنه سيقود بسببها ببطء، هذا البطء صفة كل من يدّعي هذه المهارة، راقبوا أي موظف يظن أنه متمكن منها، وستلاحظون البطء في أدائه مقارنة بزميله الذي يعطي كل مهمة تركيزه الكامل.

شاهدتُ أفلاماً مع بعض الأشخاص الذين ادّعوا أمامي هذه المهارة، وجميعهم بلا استثناء استخدموا هواتفهم الذكية أثناء العرض وانشغلوا بتناول الأطعمة الخفيفة، ثم سألوني: ماذا فاتنا؟! أو بعضهم لم يفهم جزئيات من الفيلم.

نعم، سيقول قائل: هناك دراسات علمية مثبتة. وأقول: لا أنكر ذلك، لكن أيضاً هناك دراسات علمية أخرى مثبتة، قالت إن العقل البشري لا يركز على مهمتين في وقت واحد، لكنه يقسم عملية التركيز عليهما، مرة هنا ومرة هناك، بسرعة كبيرة. جرّبوا مثلاً الاستماع إلى أغنية وكتابة رسالة قصيرة على «واتس أب»، هل تستطيعون تذكّر ما قاله المغني بعد كتابة الرسالة؟ بالطبع لا، فلو كان التركيز على الأغنية أثناء الكتابة، فسيكتب المرسل كلماتها للمتلقّي.

الدراسات كشفت أن تعدّد المهام يقلل الإنتاجية بنسبة 40%، ويزيد الأخطاء، ويرفع التوتر، ويُضعف الذاكرة، ويحدّ من قدرة الشخص على اتخاذ قرارات إبداعية، ويسبّب إرهاقاً وفتوراً في العلاقات الاجتماعية.

ختاماً، أجرت جامعة واشنطن الغربية دراسة عام 2009 كشفت أن 75% من الطلاب الذين مشوا في الحرم الجامعي متحدثين بهواتفهم الذكية لم يلاحظوا وجود مهرّج يركب دراجة هوائية دون مقود بجوارهم. أطلق الباحثون على ذلك اسم «العمى غير المقصود»، معلّلين ما حدث أنه رغم كون المتحدثين بالهاتف ينظرون إلى ما يحيط بهم، إلا أن عقولهم أخفقت في رصد أشياء غير عادية في الجوار.

المصدر: الإمارات اليوم