علي سعد الموسى
علي سعد الموسى
كاتب عمود يومي في صحيفة الوطن السعودية

#تفجير _الركعة_الرابعة

آراء

لم يهبط علينا انتحاري مسجد قوات الطوارئ في أبها من السماء بالبرشوت بل دخل إلى جموع الآمنين المصلين من البوابة. وأنا هنا لا أقصد مجرد الجسد الناسف بل الفكر الذي قاده إليه. تعالوا إلى مدخل ثانوي لفهم القصة: في ليلة الغضب الشعبي العارم بعد تفجير مسجد “القديح” غرد أحد أمراء الفتوى بما يلي: “نستنكر هذا الفعل وندينه بأشد العبارات ولكن لا يجوز الترحم على ضحاياه” كأنه يقول بصيغة أخرى: ترحموا على “القاتل” واستنكروا موت الضحية. ومثل هذه الإشارات المرتبكة هي من تساعد مصنع “التفريخ” على مواصلة الإنتاج وستجد هذه الأحزمة الناسفة تبريراتها المتتالية. في المسجد الشيعي أو الثكنة العسكرية أو قاعة البنك استنادا لفتوى إباحة جدرانه. سأحيلكم إلى تغريدة زميل الدراسة والمفكر الكويتي البارز الدكتور سعد العجمي، وهو يصف ما يحصل: “الحقيقة التي لا نستطيع إنكارها أن هذا الفكر وأهله تعلمت في مدارسنا، وصلت في مساجدنا، واستمعت لإعلامنا، وتسمرت أمام فضائياتنا وأنصتت لمنابرنا، ونهلت من كتبنا وأصغت لمراجعنا واتبعوا فتاوى من لدنا..”. كان منصفا فلم يرم بالمسؤولية على جهة أو فصيل أو مدرسة دون أخرى. كلنا شركاء بالتساوي في صناعة هذه الأجساد الناسفة. هذه هي الحقيقة. هؤلاء لم يأتوا إلينا لتفجير ثلاثة مساجد في ما يقرب الشهر من فصل مدرسي في “أوكرانيا” ولم يتم حشو أدمغتهم بلغة الموت أمام قناة فضائية في كوريا أو البرازيل. هم خبز أيادينا الذي وضعناه في هذا “التنور” ثم عاد المحرض ليضع كفوفه في الماء البارد: يتفرج على هذه المآسي ثم يكتب لنا من تحت المكيف توجيهاته الحميدة: ماذا نستنكر وكيف وعلى من نترحم أو لا نترحم. دعونا نعترف جذريا بالفشل. حاولنا تقنين مراكز الصيف الطلابية فناور حولها هؤلاء واستبدلوها بمئات “الباصات” وآلاف الصغار الذين يملؤون اليوم مئات الاستراحات النائية تحت مسميات مختلفة، حاولنا أن يكون النشاط اللامنهجي تحت الضوء الكاشف بين جدران المدارس فاستبدلوه بـ”عزائم” المساء ورحلاته الخلوية. أقفلنا قناة فضائية ثم فتحوا بعدها عشرا أخرى وكل ما فعلوه ليس إلا تغيير مقر الأستوديو وعنوانه في شوارع المدينة. ويؤسفني أن أكتب مجتمعي وهو يذهب خائفا وجلا حتى إلى صلاة الجمعة. لكن هذه هي الحقيقة.

المصدر: صحيفة الوطن