تلاعب الحوثي ونهج الحرب في مواجهة السلام 2/1

آراء

يبقى خيار المواجهة العسكرية وإجبار مليشيا الحوثي الإيرانية على الالتزام باتفاق ستوكهولم خيار الضرورة، كما أن النظر إلى التهديدات الإرهابية التي يمثلها الحوثيون على أمن المنافذ البحرية في البحر الأحمر وبحر العرب يجب أن يحتل سلم الأولويات لدى القوى الإقليمية والدولية. وحتى الآن لا يبدو الحوثيون جادين في الحل السياسي الذي يرون نجاحه يفقدهم موارد مالية تقدر بملياري دولار يجنونها من ميناء الحديدة والصليف ورأس عيسى.

حققت العمليات العسكرية تحت قيادة التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن نتائج مهمة جدا كالتفتيت الإستراتيجي الذي أدى لخلق حالة من التوتر الشديد في تشكيلات مليشيا الحوثي الإيرانية مما أجبرها على إجراء تغيير مفاجئ في الجبهة الرئيسية، واختلال في توزيع وتنظيم التشكيلات الحوثية. كما سيطر التحالف العربي لدعم الشرعية على مساحات واسعة من محافظة الحديدة في ميدي والمخاء وخوخة، ووضعت تلك العمليات قوات التحالف والشرعية في وضعية إستراتيجية عسكرية جدا هامة على الأرض من خلال الضغط على المناطق التي تخضع لسيطرة الحوثيين في مسافة تتراوح بين 100 إلى 140 كيلومتراً. فضلا عن تأثير الحصار البحري في قطع إمدادات الأسلحة والصواريخ البالستية الإيرانية عن المليشيات إلى حد كبير وبالتالي التأثير على قدراتهم العسكرية ما يساهم مستقبلا في ترجيح ميزان القوة العسكرية لمصلحة قوات التحالف والشرعية، ليس فقط في ساحل منطقة تهامة وإنما تشمل المحافظات الشمالية بما فيها العاصمة صنعاء. وأجبرت العمليات التي تقودها قيادة التحالف العربي لدعم الشرعية المليشيات على الامتثال لقرار مجلس الأمن الذي اتخذ تحت الفصل السابع في أبريل عام 2015 وبالتالي الموافقة على اتفاق ستوكهولم. وفي حال إنجازه كما جاء في بنود الاتفاق سيكون خطوة مهمة جدا لجميع الأطراف التي تسعى لاستقرار اليمن وإنهاء الصراع بين الشرعية والمليشيات، كما سيحد من تطلعات إيران الأيديولوجية.

اتفاق ستوكهولم يؤكد أن انسحاب المليشيات من مدينة وميناء الحديدة الشريان الاقتصادي لشمال اليمن وعصب الحياة لأكثر من 8 ملايين يمني يعتبر أهم نتيجة حققها مارتن غريفيث لرمزية المدينة في إطار الصراع وإنفاذ الاتفاق يحقق مكاسب مهمة للشرعية والتحالف، بالإضافة إلى ذلك حرمان مليشيا الحوثي الإيرانية من منطقة لطالما طالبوا بضمها إلى إقليمهم في نطاق مشروع تقسيم اليمن إلى أقاليم فيدرالية يحرمهم بذلك من الموارد المالية الكبيرة التي كانوا يحصلون عليها من موانئ المحافظة، الحديدة والصليف ورأس عيسى النفطي، التي تقدر بملياري دولار تذهب إلى صندوق دعم الحرب الحوثية، ما يمثِّل بداية انهيار مشروع طائفي تقوده إيران بالقرب من مضيق باب المندب.

وساهمت العمليات العسكرية في صد المخطط الإيراني الحوثي في خلق قاعدة عسكرية في الساحل الغربي وبالتالي تهديد مباشر للملاحة الدولية في البحر الأحمر ومحيط مضيق باب المندب، لا شك أن التأثير سيطال قناة السويس وموانئ أوروبا وإمدادات النفط. فوجود قوارب تفجيرية غير مأهولة بدعم فني إيراني خلق حالة من الرعب والارتباك لدى شركات الملاحة الدولية والتأمين، وفكر الكثير في تحويل خط الملاحة إلى رأس الرجاء الصالح مما تسبب سلبيا في رفع تكلفة الشحن والبضائع للمستهلك الأوروبي.

في يناير 2017 استخدمت مليشيا الحوثي الإيرانية زورقا يعمل بالتحكم عن بعد لضرب سفينة سعودية، ما أسفر عن مقتل 2 من البحارة وجرح 3 آخرين. وفي أبريل 2017 اعترضت القوات السعودية زورقا آخر يعمل بالتحكم عن بعد يحمل العديد من المتفجرات حاول استهداف مستودع نفط ومحطة توزيع في جازان بالقرب من الحدود.

وعلى نحو مماثل، أحبطت السعودية في يناير 2018 هجوما على ناقلة نفط تحمل العلم السعودي استخدمت فيه 3 قوارب انتحارية. هذه القوارب ليست إلا جزءاً من صورة أكبر تحاول فيها مليشيا الحوثي الإيرانية ممارسة الضغط على دول التحالف والشرعية من خلال استهداف البنية العسكرية والمدنية. لذلك فاتفاق ستوكهولم يكشف العمق الإستراتيجي للمليشيات المتمثل بمناطق باجل، والضحي، وبيت الفقيه، والمدن والمناطق الأكثر أهمية للقيادة المركزية للمجلس الأعلى السياسي، وتربط صنعاء وذمار ذات الثقل السكاني والعسكري بميناء الحديدة. وسيزداد الوضع سوءاً للمليشيات حين تكون هذه المناطق هدفاً تالياً للتحالف والشرعية تضيق معه مساحة الأرض تحت أقدام الحوثيين وتصبح مناطق العمق مهددة تماما.

من ناحية أخرى، فإن الحوثيين يحصرون الحكم في السلالة الهاشمية دون غيرها من السلالات، ويعتبرون كل من يخالف ذلك ناصبيا خارج الملة، وبناء على هذه القاعدة شنوا حروبهم الست ضد الحكومة اليمنية رغبة منهم باسترجاع النظام الإمامي والعودة إلى ما قبل ثورة 26 سبتمبر 1962. كما تمارس الجماعة شتى أنواع الاضطهاد والتفرقة والعنصرية ضد من هو غير حوثي الانتماء أو هاشمي، وهناك انتهاكات كثيرة ضد أبسط مقومات القانون الدولي الإنساني، كتجنيد أبناء القبائل بالإكراه والزج بهم في حروب عبثية راح ضحيتها الآلاف. ونجد أن المقاتلين من غير الهاشميين يطلق عليهم «زنابيل»، تترك جثثهم لتأكلها الحيوانات الشاردة، أما القتلى الهاشميون فيتم دفنهم بمقابر. وفي ميناء الحديدة والمناطق الساحلية يعامل سكانها بصورة سيئة جدا كعبيد أو مواطنين أقل قدرا إيمانا بحقهم الإلهي في الحكم والسيطرة، وكل من هو غير هاشمي عليه السمع والطاعة وقبول الإذلال.

وتحولت أيضا حقول الألغام في الساحل الغربي لمحافظة الحديدة إلى ساحة موت، تحصد أرواح المئات من الأبرياء وتتربص بالأجيال القادمة. خوف وقلق يحاصر حياة آلاف المدنيين من أطفال ونساء ورجال بسبب كمية الألغام التي زرعها الحوثيون في مناطق متفرقة على طوال الشريط الساحلي مما منع الكثير من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي. وكشفت الفيدرالية العربية لحقوق الإنسان في تقرير سابق أن الحوثيين قاموا بزرع أكثر من نصف مليون لغم مضاد للأفراد مما أدى لمقتل أكثر من 700 شخص. ونجح مهندسون تم تدريبهم على يد قوات التحالف في نزع وتفكيك 40 ألف لغم.

منذ عام 2015 مد التحالف العربي يد العون والمساعدة لأكثر من 14 مليون يمني، منهم 6 ملايين طفل، من خلال 13.2 مليار دولار أمريكي. وبناء على تقارير الأمم المتحدة اليمن تعتبر ثاني أكبر دولة مستفيدة من المساعدات الإنسانية للإمارات. فتم بناء 218 مدرسة وإعادة تأهيلها و46 مستشفى، بالإضافة إلى موانئ عدن والمكلا وسقطرى والمخا ومطار عدن والريان. وحينما نرى الكره الشديد الذي يحمله المجتمع المدني في الحديدة للمجلس الأعلى السياسي فذلك يعد من المنطق لسلسلة الأحداث والجرائم التي ارتكبت على يد المليشيات. أما ما جاء ذكره في تقرير فريق الخبراء لمجلس حقوق الإنسان، الذي صدر في أواخر عام 2018، فقد افتقر إلى العديد من العوامل الأساسية حتى يرتقي لأن يصبح تقريراً يعتد به، كما تنقصه المهنية في استعمال طرق التحقيق والتحري للأحداث، ولا يتوافق مع معايير الأمم المتحدة لأي بعثة من بعثات تقصي الحقائق، وكفرضيات فهي بعيدة جدا عن القانون الدولي لحقوق الإنسان، وهذا ما أكده الرئيس السابق لبعثة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في العراق الدكتور طاهر بومدرا بتصريح إعلامي له بعد الفعاليات الجانبية لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.

من ناحية أخرى، فإن جهود قيادة التحالف العربي لدعم الشرعية مستمرة من خلال تجهيز قوات يمنية لخوض عمليات عسكرية مدنية ذات قدرات مهام خاصة لخوض حرب المدن، وذلك لحفظ الأمن في المناطق المحررة ضد أي تشكيلات حوثية، ولعل تكرار تهديد أنصار الله باتباع منهجية الأرض المحروقة كان دافعا مهما للاستعداد للهمجية التي يتبعها الحوثي. وقوات التحالف تصر على بناء منظومة دفاعية أمنية وطنية تحت سلطة الحكومة الشرعية للحفاظ على أمن وسلامة الجغرافيا اليمنية والمجتمع، ويتم ذلك بدمج القوات الموالية والمقاومة الشعبية بالجيش الوطني. ووجود قدرات وطنية عسكرية سيكون دائما قوة لإرغام الحوثيين على الالتزام باتفاق ستوكهولم والمرجعيات الثلاث التي تمثل قرار مجلس الأمن رقم 2216 والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني التي تهدف إلى إنهاء الحرب الدائرة بين الشرعية ومليشيا الحوثي الإيرانية.

المصدر: عكاظ