علي الظفيري
علي الظفيري
كاتب وإعلامي سعودي، وُلد في دولة الكويت في 19 أكتوبر 1975. حصل على بكالوريوس علم نفس تربوي من كلية التربية في جامعة الكويت عام 1997، ثم دبلوم إعلام من جامعة الملك سعود في الرياض عام 1999. عمل في جريدة الوطن السعودية في الفترة من 2002 إلى 2004، وإذاعة وتلفزيون المملكة العربية السعودية ما بين عامي 2000 و2004. يعمل حالياً كمذيع ومقدم برامج سياسية في قناة الجزيرة القطرية.

تونس الجديدة!

آراء

حين يقف المرء أمام فئة متشددة من التيار الإسلامي بفرعيه السني والشيعي في المنطقة العربية تطرح قضايا لا تمت للواقع بصلة، وتتحالف مع السلطة السياسية المستبدة بشروط مجحفة جدا، ولديها القدرة الغريبة على إثارة النقاشات الهامشية وغير المهمة، وتقف حدودها عند مظاهر الأشياء وأنماط السلوك بغض النظر عن طبيعة المنظومة المتكاملة المحيطة بها، حينها يحق للمرء تسجيل الملاحظات وإبداء التحفظات وعرض المخاوف والتردد في قبول هذه الحالة، بل مواجهتها بشدة وعدم التراخي في ذلك.

أما أن يقف المرء أمام خطاب تنويري متقدم يقول فيه رائد من رواد الإسلام السياسي المعاصر مثل الشيخ راشد الغنوشي، «إن الأولوية الآن لإقامة الدولة الديمقراطية وتشغيل الشباب للقضاء على البطالة وإعادة عجلة الإنتاج، وليس الحديث عن تطبيق الحدود ولا فرض الحجاب ولا الحديث عن الولايات للمرأة والقبطي، فمن حق الجميع الترشح لأي منصب دون تفرقة ولا تمييز، ولا يوجد ناطق باسم الألوهية في الإسلام، والمجتمع المسلم هو المجتمع الذي يطبق صحيح الإسلام ولا ينشغل في البحث عن كيفية عقاب الناس، بل في كيفية توفير الحياة الكريمة للبشر وحفظ كرامتهم وحقوقهم»، يكون الإنسان مجحفا في حق نفسه وعقله لو اتخذ موقع الضد والمخالفة والتشكيك والخصومة الدائمة لهذا الطرح.

تقف تونس اليوم على أعتاب مرحلة جديدة من عمر البلاد، الأسبوع المقبل يصوت المواطنون على تشكيلة المجلس الوطني التأسيسي الذي من شأنه رسم المسار السياسي وتحديد ملامح الجمهورية التونسية الثانية، وفي خضم الحملة الانتخابية المحتدمة برز اللائكيون من عتاة العلمانية المتحالفة مع الاستبداد السياسي لطرح المخاوف من جديد، ستصبح تونس دولة طالبانية بفضل النهضة والإسلاميين العائدين للساحة بعد سقوط زين العابدين بن علي ونظامه الأمني! هل هناك هراء أكبر من هذا؟ هل يمكن لأصحاب طرح مدني متحضر ديمقراطي ترديد مثل هذه الأكاذيب، ومع حركة النهضة الإسلامية الأكثر تقدما وجرأة من بين حركات الإسلام السياسي في المنطقة!
يقول أحمد إبراهيم الأمين العام لحركة التجديد إن حركة النهضة الإسلامية تمثل خطرا حقيقيا على قيم الحداثة في تونس، وأن اتجاهين في البلاد أحدهما حداثي يتمثل بائتلاف كونه مع مجموعة من الأحزاب يسعى لتدعيم الحريات والقيم التقدمية، واتجاه ثان يريد استغلال المشاعر الدينية للناس ويسعى لفرض وصاية ونمط عيش محدد، ولم يقل لنا إبراهيم ماذا كان يفعل بورقيبة مثلا، ومن هو التيار الذي عمل عقودا من الزمن على فرض وصاية قسرية على الشعب التونسي واختلاق هوية جديدة له، مناقضة في كثير من تفاصيلها لهوية البلاد الحقيقية، التي ينص دستورها في افتتاحيته على كونها بلاد عربية دينها الإسلام!

نقاش الهوية نقاش ثانوي وإن بدا غير ذلك، لا أحد يأتي اليوم للعربي المسلم ليبحث معه هويته وفضاءه الحضاري، ولنا في تركيا التي حاولت العلمانية المتوحشة اجتثاثها من التاريخ والحاضنة الجغرافية والثقافية ليخلق منها مسخا لا قيمة له، حتى جاء حزب العدالة والتنمية ليقلب الطاولة ويحقق ما حققه في ظرف سنوات معدودة، إن النقاش الحقيقي يتركز حول الحرية والنظام السياسي الديمقراطي التعددي الذي يسمح لهذه البلدان أن تستعيد عافيتها وكرامتها وسيادتها، النقاش الجدي يتركز حول الاقتصاد والتنمية وإطلاق الطاقات والحياة الكريمة المتزامنة مع سيادة الأمة لا بتجاوزها كما فعل نظام زين العابدين طوال عقدين من الحكم، وما محاولة التشويش الحاصلة في تونس وخلط الأوراق وإثارة المخاوف من الإسلاميين إلا جزء من محاولة الإبقاء على فصل الاستبداد الثقافي والفكري والاجتماعي بعد أن سقطت المظلة السياسية والأمنية الحامية لهذا الاحتكار.

هذه النسخة من الإسلام السياسي ليست النسخة المثالية والنهائية، عملية النضج والتغيير والمواكبة لا تتوقف، والحكم عليها لا ينتهي عند هذا الحد أيضا، لكن يمكن الحكم بسوء النسخة العلمانية المتوحشة التي تأخذ المجتمع في نفقها المظلم، وبالتالي من الجيد أن تتاح للشاب والشابة في تونس الالتفات لقضية الدولة الديمقراطية العادلة التي تعنى بتعليمه وعمله وسكنه ومستقبله، بعيدا عن المماحكات غير المجدية حول قضايا تضره ولا تفيده أبدا.

العرب القطرية