ثقافة الفوز ليست عربية

آراء

في مونديال روسيا شهدنا هزائم عربية على شكل «كروية»، ولكنها تعبر بطريق مباشر عن وجدان عربي مهشم منذ أمد بعيد، هذا الوجدان عكس ثقافة عامة لا تقوى على رؤية النصر لكون الهزيمة أصبحت تلاحق هذا الوجدان مثل الظل، ولذلك لا نستغرب أبداً أن تخسر فرق عربية تمتلك من الفنيات الكروية ما يضاهي قريناتها من الفرق الأوروبية واللاتينية، وهنا نستدعي فكرة نيتشه الذي اعتبر أن الإنسان لا يستطيع أن يظفر بالوقوف مستقيماً، عندما يكون الوجدان مهمشاً، وعناصر القوة الداخلية مشتتة، وضرب لنا هذا الفيلسوف مثالاً بلاعب الكرة المحترف عندما تناط به ضربة جزاء، فيركلها خارجاً عن المرمى، حيث يرجع نيتشه هذا التصرف إلى إرادة القوة التي تكون في هذه الحالة ضعيفة، ولا تستطيع مواجهة الموقف بسوية. ونحن نتابع المباريات شهدنا انكساراً في ضلوع الإرادة لدى اللاعبين العرب، وتشعر أن اللاعب وهو يستحوذ على الكرة وكأنه يدفع بكتلة من الحديد المكور، ويجري بتثاقل وكأنه مصفود بسلاسل حديدية تثقل حركته، وتمنعه من المرور بالكرة ليصل إلى الهدف.

هذه ثقافة ولعبة الكرة جزء من الرياضة العامة، والرياضة في الأساس تنبع من ثقافة مجتمعية ولا تنفصل عنها، وكل ما يبدر من الإنسان من سلوكيات، فهو مرتبط بثقافته، وما تلقاه منذ الصغر من لاءات ونواهٍ، وما عاشه من علاقات اجتماعية، أرضعته كيفية القدرة على المواجهة، وإمكانية عبور المواقف الصعبة.

اللاعبون العرب كانوا يلعبون، وكأنهم يخوضون معارك حربية، حيث كانوا يواجهون الخصم بمشاعر قلبية، لا بقدرات عقلية، ولعبة الكرة كسائر النشاطات البشرية، لا تقتصر على العواطف بل بحاجة ماسة إلى لعبة العقل الذي يضع التكتيك، ويمارس فكرة التحايل والخدعة البصرية ضد الخصم، وإذا لم يختزن العقل كل هذه المادة السحرية، فإن الإمكانات المادية كافة لن تجدي نفعاً وأن كل ما تقدمه الدول، وكذلك الجماهير من شحن، لن يضيف شيئاً إلى اللاعبين الذين يكونون تحت ضغط الخوف المتخيل من الخصم، ففي الوسط الرياضي العربي هناك عقدة دونية خرافية غائرة وتاريخية بأن الخصم الأجنبي أكثر نجاعة وقدرة على اقتناص الفوز، لأنه أكثر تطوراً في جوانب حياتية أخرى، وهذا في حقيقة الأمر يجب أن تبذل الجهود من أجل مسحه من الذاكرة، لأن القدرات ليست مرتبطة بجينات معينة، بقدر ما هي مرتبطة بالثقافة، فلنغير ثقافتنا، لنكون المنافسين الأجدر بالفوز.

المصدر: الاتحاد