محمد الحمادي
محمد الحمادي
رئيس تحرير صحيفة الرؤية

جمهوريات الشك وشعوب اليقين

آراء

الأحداث التي مرت بها المنطقة خلال السنوات الثلاث الماضية -ولا تزال – تجعل التساؤلات تُطرح باستمرار ولا تتوقف خصوصا بعد سقوط أكبر الجمهوريات العربية خلال ما كان يسمى بـ «الربيع العربي» في الوقت الذي صمدت فيه الملكيات والدول غير الجمهورية في وجه التغيير الذي بات من الواضح أن الأيدي الخارجية كان لها دور مباشر أو غير مباشر فيه. جمهوريتنا العربية التي يفترض أن من يحكمونها وصلوا إلى كراسي الحكم بعد فوزهم في انتخابات ديمقراطية فوجئ الجميع بها فقد تبين للجميع أنها دول ضعيفة لدرجة الهشاشة الأمر الذي جعل أنظمة الحكم فيها تسقط خلال أيام معدودة. وفي المقابل، فإن الممالك العربية والدول غير الجمهورية التي نالها نفس ما نال دول ما يُسمى بـ «الربيع العربي» صمدت ونجحت في عبور الخريف العربي بأقل الخسائر.. والملفت أن شعوب تلك الدول كان لها الدور الأكبر في حماية دولها وعدم السماح لموجات ذلك الخريف بالوصول إليها أو التأثير عليها، واليوم وبعد مرور كل ذلك الوقت على اندلاع ما سمي بـ«الربيع العربي» أصبح المواطن العربي أكثر حذراً ومقاومة لذلك التغيير، بل أصبح جزء كبير من المواطنين ينظرون إلى أحداث المنطقة بشكل مختلف تماما.

خلال الأيام والأسابيع الماضية هناك ما أثار انتباه المراقبين، وهو زيارة الملك محمد السادس ملك المملكة المغربية إلى تونس، فبكل المقاييس تعتبر تلك الزيارة تاريخية، ومنعطفاً مهماً في المشهد السياسي العربي بشكل عام والمشهد المغاربي بشكل خاص. كلمة الملك محمد السادس في البرلمان التونسي كانت مثيرة للاهتمام، ففضلاً على أنه أول ملك أو رئيس دولة يزور تونس، فإن خطابه كان مغاربياً شاملاً يتعالى على نقاط الاختلاف، ويتمسك بكل ما يمكن الاتفاق عليه من خلال رؤية مستقبلية بعيدة عن المصالح الضيقة، تشمل مصالح المنطقة والتحديات التي تواجهها وعلى رأسها الإرهاب، الأمر الذي يؤكد أن الملك الشاب يحمل رؤية واضحة تفيد المنطقة وتساعد دولها على الخروج من أزماتها.

كما أن هذه الزيارة حملت العديد من الرسائل والمعاني والصور التي من المهم، الوقوف أمامها فزيارة الملك الشاب لتونس أعطت رسالة بأن المغرب مع التغيير ومع أحلام وتطلعات الشباب.. الأمر الثاني أوصل الملك رسالة للعالم بأن تونس آمنة ومستقرة، فمن خلال جولاته وتحركه بحرية في شوارع وأزقة العاصمة قدم دعماً قوياً لقطاع الاقتصاد والسياحة التونسية ورسالة مفادها أنه يمكن للسائح زيارتها ويمكن للمستثمر الثقة فيها..

الرسالة الأخيرة كانت موجهة لأطياف الشعب التونسي، وهي أن الدين ليس لجماعات الإسلام السياسي ولا المتشددين، وأن الدين للجميع، فحضور الملك لصلاة الجمعة في تونس كانت له دلالاته الكبيرة والمؤثرة، خصوصا أن الملك بدأ زيارته الرسمية من المغرب خارجاً من مسجده إلى طائرته مباشرة محلقاً في رحلته الرسمية إلى تونس، وعندما عاد إلى بلده خرج من مسجد تونس واستقل طائرته عائداً إلى وطنه.

وفي خضم هذه الزيارة التي امتدت أسبوعاً كاملاً كان اللافت للشعب التونسي بساطة الملك واختلاطه بالناس الذين دهشوا لرؤيته أكثر من مرة في الأماكن العامة، فطلبوا منه التقاط الصور معه، وقبلَ طلبهم من دون أي تردد، وتكرر هذا المشهد أيضاً خلال زيارته العام الماضي لأبوظبي حيث تجول في بعض المراكز التجارية دون أية حراسة… هذا المشهد الذي يجسده الملك الشاب يدل على أن الشعوب تعرف ما تريده تماماً، وأنها بحاجة إلىِ أن تكون قريبة من حكامها، وهذا ما لا يفعله رؤساء الجمهوريات العربية الذين أتت بهم صناديق اقتراع مع كثير من الشك في نتائجها!

ومن شاهد صور الملك مع المواطنين، وقرأ تعليقاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، يدرك أن معايير نجاح الدول لا علاقة لها إنْ كانت ذات نظام ملكي أو سلطاني أو رئاسي أو جمهوري، فالعبرة بالعمل والإنجاز وتحقيق أهداف وتطلعات المواطنين وتوفير الأمن للمواطنين والاستقرار للبلد.. وربما ما يجعل الملك محمد السادس واثقا من نفسه لدرجة أنه يتحرك من دون حراسة مشددة في بلد غير بلده، هو أنه حاول أن يقوم بكل ما يمكنه لشعبه، وبالتالي قدر الشعب ذلك، فأمن على نفسه وتحرك بحرية كاملة.

المصدر: الاتحاد