حمود أبو طالب
حمود أبو طالب
كاتب سعودي

جنون عابر للقارات

آراء

لا يمكن أن نتصور جنونا أكثر من هذا ولا وحشية وتجردا من كل المشاعر الإنسانية كما نرى الآن، ويصعب أن نجد حالة في العصر الحديث تشبه ما وصلنا إليه في هذا الوقت من إبداع في تدمير الحياة والأحياء من كل جنس وعرق وطائفة ومذهب، وإصرار على العودة بالإنسان إلى عصوره المظلمة بعد تدمير كل منجزاته المتراكمة عبر الزمن. هستيريا انتزاع الأرواح بأشرس الوسائل وصلت ذروتها فيما نشاهده الآن، خصوصا في ساحتنا الإسلامية العربية، وفي محيطنا القريب الذي تحول فيه الدين اعتسافا وظلما إلى مبرر لارتكاب أفظع المجازر والتصفيات في مشاهد حية يراها العالم كله.

في يوم واحد تبنى تنظيم داعش الذي يسمي نفسه الدولة الإسلامية ويرفع علم النبوة تنفيذ فقرة جديدة في مسلسل الدم الذي دشنه قبل عام. ثلاث قارات اهتزت لثلاث جرائم في يوم واحد، ضحيتها الإنسان المسالم، من فرنسا إلى الكويت إلى تونس. جثة رأسها مفصول ومعلق على سور في ليون، وسواح قدموا إلى سوسة لاقتناص لحظة استرخاء فاقتنصهم الرصاص، ومصلون في أحد مساجد الكويت قرر انتحاري أن يرسل أرواحهم إلى خالقها قبل أن تنتهي صلاتهم. مكان أشهرت فيه السكين، ومكان دوى فيه الرصاص، ومكان حولته العبوة الناسفة إلى دمار. كل الأديان تم الاعتداء عليها في هذا اليوم، هكذا وبكل بساطة وسادية وشهوة عارمة للقتل. وقتل الإنسان جريمة لا تغتفر لكنها أبشع ما تكون عندما تكون في مسجد، بيت من بيوت الله، وفي لحظة لقاء الإنسان بربه. فأي فحش هذا؟

هؤلاء المتمنطقون بالأحزمة الناسفة والرشاشات والسيوف والخناجر أدوات مسلوبة العقل ومنزوعة التفكير والإحساس يتم تجهيزها لبلوغ اللحظة العدمية. إنهم ضحايا لمن يمسكون بخيوط اللعبة القذرة التي لا علاقة لها بدين ولا مبدأ، أولئك الذين يختبئون في الظل ويجهزون كل مستلزمات المحرقة التي يتساقط فيها ضحاياهم ليخرجوا لاحقا ويحولوا كل ما حولهم إلى محرقة.

كل الكراهية والحقد والشر الذي تختزنه النفوس الشريرة يتم تفريغ شحناتها الآن بشكل غير مسبوق. إنها مرحلة مخجلة للإنسانية قبل أن تكون مخجلة للدين الذي يريدون تحميله كل قباحاتهم وآثامهم الشنيعة. ترى ماذا سيقول التاريخ عن هذه المرحلة، ماذا سيقول عنا؟

المصدر: عكاظ